الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالناس في هذا الباب على طرفين ووسط، فالطرف الأول الذي يذم التمذهب والتقليد مطلقا، ولو للعامي الذي ليس عنده من العلم ما يمكنه من اتباع الدليل، ويغلو في ذم التمذهب، حتى صارت عنده أقوال الأئمة واجتهاداتهم وفهمهم للنصوص، كلا شيء، أو كفهمه هو، ولا شك أن هذا الطرف مذموم، فالحق الذي دل عليه الكتاب والسنة إنما يُعرف عن طريقهم.
قال الشاطبي في آخر كتاب الاعتصام: إِذًا ثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ الرجال، فالحق أيضاً لا يعرف دون وساطتهم، بل بهم يتوصل إليه، وهم الأدلة على طريقه. اهـ.
والطرف الثاني الذي يدعو إلى التقليد والتمذهب المطلق، ولو فيما ظهر مخالفته للكتاب أو السنة من أقوال إمامه الذي يقلده، ويتمذهب بمذهبه، مانعا من التمذهب على فقه غيره، ولا شك أن هذا مذموم أيضا.
والوسط هو الذي يدعو إلى الاستنارة بأقوال الأئمة وفهمهم للنصوص الشرعية، ودراسة فقههم، وعدم الخروج عن إجماعهم، واتباع ما دل الدليل عليه من خلافهم -إن أمكنه الترجيح بينها- مع التماس العذر لهم، وعدم التشنيع على العامي تقليد أحدهم، ما دام غير قادر على أخذ العلم بدليله.
وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في حكم التقليد والتمذهب، وفيها ما يغني عن الإعادة هنا، فانظري على سبيل المثال الفتوى رقم: 17519، والفتوى رقم: 157487 والفتاوى المحال إليها فيها.
والذي ننصح به الأخت السائلة هو ترك الجدال والمراء في هذا، فإنه أسلم للصدور، وأبعد عن الغضب والشحناء، لا سيما مع زوجك، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
والله تعالى أعلم.