الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقاطع الرحم مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، يخشى عليه أن ترجح كفة إثم سيئته بكفة ثواب طاعاته، فيكون عرضة لهلاكه، إن لم تشمله رحمة الله وواسع مغفرته.
وقد نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن القاضي ابن العربي قوله:
الْقَوْلُ الْفَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِحْبَاطَ إِحْبَاطَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِبْطَالُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ وَإِذْهَابُهُ جُمْلَةً؛ كَإِحْبَاطِ الْإِيمَانِ لِلْكُفْرِ وَالْكُفْرِ لِلْإِيمَانِ، وَذَلِكَ فِي الْجِهَتَيْنِ إِذْهَابٌ حَقِيقِيٌّ. ثَانِيهُمَا: إِحْبَاطُ الْمُوَازَنَةِ إِذَا جُعِلَتِ الْحَسَنَاتُ فِي كِفَّةٍ وَالسَّيِّئَاتُ فِي كِفَّةٍ، فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ نَجَا، وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ وُقِفَ فِي الْمَشِيئَةِ؛ إِمَّا أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعَذَّبَ. انتهى.
وإذا علمت هذا، فالواجب على قاطع الرحم أن يتوب إلى الله تعالى؛ حذرا من سوء المغبة، ولكنه إذا لم يتب فهو تحت المشيئة كما ذكرنا.
وأما فائدة فعله للعبادات فهي أن تبرأ بها ذمته، فإنه إن ترك العبادات كالصلاة -مثلا- كان قد أضاف جرما عظيما إلى جرمه الأول، فيكون بذلك أقرب إلى العذاب وأحرى باستحقاق العقوبة، وقد يستمر به ترك العبادات والإعراض عن الشرائع حتى يُخشى عليه سوء الخاتمة، وأن يُسلب التوحيد قبل موته -عياذا بالله- فقاطع الرحم الذي يفعل العبادات أقرب لحصول الرحمة ونيل المغفرة ممن لا يفعلها، وخير منهما التائب المقبل على الله تعالى الذي فعل جميع أوامره، وترك جميع نواهيه، وعلق قلبه به سبحانه، خائفا راجيا.
والله أعلم.