الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فقد سبق لنا أن ذكرنا أقوال الفقهاء في مسألة الهوي للسجود. هل يُبدأُ فيه باليدين أم بالركبتين، ورجحنا استحباب الهوي باليدين أولا، كما في الفتوى رقم: 120022 .
ولم نقف على من استدل بقوله تعالى: ...وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ... { النور: 45} على النهي عن مشابهة البعير في النزول على مقدمتيه على اعتبار أنهما رجلان وليستا يدين، ولا شك أن الآية تفيد إطلاق الرجل على ذوات الأربع؛ كالبعير، كما قال الألوسي في روح المعاني في تفسير الآية {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ} قال: كالنعم والوحش والظاهر أنه المراد أربع أرجل، فيفيد إطلاق الرجل على ما تقدم من قوائم ذوات القوائم الأربع، وقد جاء إطلاق اليد عليه. اهـ
ولكن كما قال الألوسي جاء أيضا إطلاق اسم اليدين على بعض قوائم ذوات الأربع؛ كقول سُرَاقَةَ بْن جُعْشُمٍ في قصة الهجرة عندما لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ليظفر بالجُعْلِ الذي جعله المشركون لمن يقبض عليهما قال : ... حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لاَ يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ ... والحديث رواه البخاري.
ومما جاء في إطلاق اليد على قائمة البعير ما رواه البيهقي في السنن عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَعْقُولَةٌ إِحْدَى يَدَيْهَا صَافِنَةٌ.
وقد فسر بعض العلماء الآية الكريمة {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ} الأربع بأنها الرجلان واليدان؛ كما قال الشربيني الشافعي في السراج المنير: {ومنهم من يمشي على أربع} أي: من الأيدي والأرجل .. اهـ ، وقال مثله البقاعي في نظم الدرر.
فالاستدلال بالآية على ما ذكرت ربما يكون له وجه، ولكن ليس صريحا، ونرجو أن لا حرج عليك فيه، ولم نقف على كلام لأحد العلماء استدل بها على المراد.
والاستدلال بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ...} سورة البقرة: 286، على ما ذكرت استدلال صحيح لا نرى فيه إشكالا.
ونوصيك بالاجتهاد في طلب العلم، والتثبت من معنى ما تستدل به؛ سواء من القرآن أو من السنة.
والله تعالى أعلم.