الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالاعتذار الذي يُقْصَدُ به طلب العفو والمسامحة، فإن المظلوم فيه بالخيار: إن شاء عفا -وهو أفضل-، وإن شاء لم يعفُ، وطالبَ بحقه.
وإن أبى الظالم رد الحق، فإن الاعتذار حينئذ لا يُسقِطُ حق المظلوم في المطالبة بحقه، ولا في الدعاء على ظالمه، وقد دل الشرع على أن دعوة المظلوم مستجابة؛ ففي الحديث: دعوةُ المظلومِ مُسْتَجابةٌ. رواه أحمد، وحسنه الألباني، ولكن لا يدعو عليه إلا بقدر مظلمته، قال القرافي: وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ، فَلَا تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ مِنْ أَنْكَادِ الدُّنْيَا لَمْ تَقْتَضِهَا جِنَايَتُهُ عَلَيْك، بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَيْك جِنَايَةً، فَتَدْعُوَ عَلَيْهِ بِأَعْظَمَ مِنْهَا، فَتَكُونَ جَانِيًا عَلَيْهِ بِالْمِقْدَارِ الزَّائِدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }. اهـ.
وإذا عفا المظلوم عن ظالمه، فإنه يكون قد أسقط حقه، ولا يجوز له حينئذ أن يطالب به، ولا أن يدعو على ظالمه، كما بيناه في الفتوى رقم: 304783.
والله تعالى أعلم.