الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم تزين الرجال بشيء من الفضة، هل الأصل منعه أم جوازه؟ وبالتالي: من يطالب بالدليل الحاظر أم المبيح؟
والجمهور على أن المنع هو الأصل. وخالفهم في ذلك طائفة من أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية.
فقال -كما نقل عنه المرداوي في الإنصاف-: لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم، لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا أباحت السنة خاتم الفضة، دل على إباحة ما في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة. وما لم يكن كذلك، فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه، والتحريم يفتقر إلى دليل. والأصل عدمه. اهـ.
قال المرداوي: ونصره صاحب الفروع -يعني ابن مفلح- ورد جميع ما استدل به الأصحاب. اهـ.
وقال الشوكاني في السيل الجرار: وأما حلية الفضة، فالمانع يحتاج إلى الدليل؛ لأن الأصل الحل، وقد دل على هذا الأصل قوله عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 29]، مع ما ثبت من أن سيفه صلى الله عليه وسلم كان فيه فضة. ومع قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالفضة، فالعبوا بها كيف شئتم". [أبو داود وأحمد].
وأما الاستدلال بأن في ذلك تشبها بالنساء، فهو مصادرة على المطلوب؛ لأن القائل بالجواز يقول: إن التحلي بالفضة لا يختص بالنساء، بل الرجال والنساء فيه سواء، وإن كان استعمال كل واحد من النوعين لنوع خاص من حلية الفضة، فلا يشبه أحدهما في ذلك النوع الخاص به، لا في مطلق التحلي، فلا مانع من أن يحلي الرجل سلاحه ومنطقته بالفضة. اهـ.
وبناء على هذا القول، فلا حرج في لبس خنجر من فضة، فضلا عن أن يكون مموها بها. هذا مع اعتبار أن المموه أو المطلي بشيء من الذهب أو الفضة، هو نفسه محل خلاف: هل له حكم الذهب والفضة نفسيهما أم لا؟ وانظر للفائدة الفتويين: 72200، 50180.
وإذا اعتبر الخنجر من أدوات الحرب -وهذا محل نظر- فيكون فيه ترخيص آخر مختلف في تفاصيله بين المذاهب.
قال ابن قدامة في (المغني): لا بأس بقبيعة السيف من فضة؛ لما روى أنس، قال: «كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة» رواه الأثرم، وأبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. وقال هشام بن عروة: كان سيف الزبير محلى بالفضة، أنا رأيته ...
فصل: قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: الحلية لحمائل السيف؟ فسهَّل فيها، وقال: قد روي، سيف محلى. ولأنه من حلية السيف، فأشبه القبيعة. ولذلك يخرج في حلية الدرع والمغفر والخوذة، والخف والران؛ ولأنه في معناه. اهـ.
وحديث أنس هذا قال الخطابي في شرحه في معالم السنن: يستدل به على جواز تحلية اللجام باليسير من الفضة .. وقد قيل: إنه لا يجوز ذلك؛ لأنه من زينة الدابة، وإنما جاز ذلك في السيف؛ لأنه من زينة الرجل وآلته، فيقاس عليه المنطقة ونحوها من أداة الفارس دون أداة الفرس. اهـ.
وقال البيضاوي في شرح مصابيح السنة: وفيه: دليل على جواز تحلية آلات الحرب بالفضة. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: (و) يحل من الفضة (حلية) أي تحلية (آلات الحرب كالسيف والرمح والمنطقة) بكسر الميم، وهي ما يشد بها الوسط وأطراف السهام والدروع والخوذة والترس، والخف، وسكين الحرب دون سكين المهنة والمقلمة. اهـ.
قال الشرواني في حاشيته: أي أما سكين المهنة والمقلمة، فيحرم على الرجل وغيره تحليتهما، كما يحرم عليهما تحلية الدواة والمرآة. اهـ.
وقال ابن أبي زيد القيرواني في رسالته: لَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ فِي حِلْيَةِ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ، وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي لِجَامٍ وَلَا سَرْجٍ وَلَا سِكِّينٍ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. اهـ.
وقال النفراوي في شرحه الفواكه الدواني: لما كان يحرم على الذكور استعمال كل محلى سوى ما مر، قال: (ولا يجعل ذلك) أي ما ذكر من الفضة ومثله الذهب (في لجام ولا) في (سرج) ولا في ركاب (ولا) في (سكين). وأولى في الحرمة الخنجر. اهـ.
وقال البجيرمي في حاشيته على شرح الخطيب: أما الخنجر المعروف، والسكين المطليان بالنقد فيحرم إلباسهما له. اهـ.
يعني للصبي، فيحرم على وليه إلباسه ذلك، إِن حصل من الطلاء شَيْء بِالْعرضِ على النَّار، كما قال الجاوي في نهاية الزين.
ففرقوا بين السيف وسكين الحرب، وبين الخنجر وسكين المهنة.
والمقصود أن طلاء الخنجر بالفضة، محل خلاف بين أهل العلم، والأظهر جوازه، والأحوط تركه.
والله أعلم.