الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فطريق الاستقامة على شرع الله تعالى له وسائل، من أهمها: مجاهدة النفس مجاهدة صادقة، فإن العبد متى صدق مع الله تعالى، وأخلص له، وجاهد نفسه، وحمل عليها في ذات الله حملة صادقة؛ فإنه لن يخيب، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت:69}.
وقد يتعب في أول الأمر، وتشق عليه الطاعة، وتثقل عليه العبادة، لكن سرعان ما تصبح الطاعة له لذة نفس، وقرة عين، فبها ينشرح صدره، وتطمئن نفسه، حتى إنه إذا تركها، أو غفل عنها، يجد في نفسه وحشة، تحمله على معاودتها، والرجوع إليها.
ومن تلك الوسائل: اللجأ إلى الله تعالى، والاجتهاد في دعائه، والابتهال إليه سبحانه، فإن القلوب بين إصبعين من أصابعه سبحانه، يقلبها كيف يشاء، ومن أدمن طرق الباب ولج، ومن دعا الله بصدق، وكانت الاستقامة أهم شيء لديه، وآثر شيء عنده، فستفتح له أبواب التوفيق ولا بد.
ومن وسائل ذلك: صحبة الأخيار، ولزوم حلق الذكر، ومجالس العلم، فإن صحبة الأخيار تنبه الغافل، وتذكر الناسي؛ فإن المرء على دين خليله، كما روي في الحديث.
ومن وسائل ذلك: الاهتمام بإصلاح القلب، فإن صلاحه أصل صلاح سائر البدن، ويكون ذلك بشغله بما ينفع من الفكرة في كتاب الله، وأسماء الرب وصفاته، والموت وما بعده، والجنة والنار، ونحو ذلك من المقاصد العالية.
وبتنقية القلب من أمراضه -كالحقد، والحسد، والرياء، واتباع الهوى، ونحو ذلك-، وإبعاده عن الفكرة فيما يضره في دنياه وأخراه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. متفق عليه من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-.
ومن وسائل ذلك أيضًا: دوام زيارة القبور، وشهود المحتضرين؛ فإن ذلك يورث القلب رقة، وإعراضًا عن الدنيا، وإقبالًا على الآخرة.
ومن أعظم وسائل ذلك: الاجتهاد في طلب العلم، فبالعلم يهتدي المهتدون، وتعرف الطريق، وتتضح معالمها، ويبين الحق لذي عينين، فمن حرص على العلم جهده، وأتبع ذلك العمل، فهو المستقيم الموفق -إن شاء الله تعالى-.
والله أعلم.