الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد لصحة الزواج، أن تتوفر فيه أركان النكاح وشروطه.
أما الأركان فأهمها: الإيجاب والقبول.
وأما الشروط فأهمها: الولي، والشاهدان، والصداق (المهر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل. رواه ابن حبان في صحيحه، عن عائشة وصححه ابن حزم، ورواه البيهقي والدارقطني، ولقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها، فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان والألباني.
وأما الصداق، فلا بد منه؛ لقوله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً {النساء:4}، ولقوله صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يزوجه من امرأة: التمس ولو خاتماً من حديد. رواه البخاري ومسلم.
وأما أن يلتقي الرجل بالمرأة ويقول لها: زوجيني نفسك، فتقول: زوجتك نفسي، ويكتبان ورقة بذلك، ويعاشرها معاشرة الأزواج بحجة أنهما متزوجان زواجاً عرفياً، فهذه الصورة ليست زواجاً لا عرفياً ولا غيره، بل هي زنا؛ لأنها تمت دون وجود الولي، والشاهدين.
والنكاح من أهم الحقوق الشرعية للمرأة، وليس للأب أن يمنعها من حقها بحكم ولايته عليها ويرد الخطاب، إلا بمسوغ شرعي كمرض الخاطب، وسوء خلقه، وفساد دينه، فإن منعها في الحال التي ليس له فيها منعها، فقد وقع في العضل المنهي عنه، فعلى هذا الأب أن يتقيَّ الله عز وجل، وألا يمنع ابنته مما هو حق لها من نكاح من ترضى دينه وخلقه. نعم، إذا رفض الأب من لا يُرضى دينه وخلقه، فله أن يمنعها. لكن إذا تقدم لها رجل صالح في دينه وخلقه، فلا يحل له أن يمنعها من الزواج به، بحجة أن لديها أولادا.
والحل المناسب لمشكلة الزواج إذا لم تُجدِ المناصحة مع الأب هو الترافع إلى القضاء الشرعي، فإذا ثبت العضل لدى القاضي أسقط ولاية الأب في إنكاح البنت، ومن ثمّ فإما أن يتولى القاضي إنكاحها، أو أن يحدد القاضي الولي الشرعي التالي في ترتيب الولاية في النكاح، كما بيناه في الفتوى رقم: 129293.
هذا؛ وننبه السائلة إلى أن هذه المرأة إن كان لها ابن بالغ، فإنه الأحق بولاية نكاحها عند الجمهور، وتقدم ولايته على ولاية الأب؛ كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 151337.
والله أعلم.