الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الذاكر إذا عرض له ما يستوجب قطع الذكر، شرع له قطعه، ثم يعود إليه، ولم يكن ذلك مؤثرًا على ما أتى به من الذكر، قال النووي -رحمه الله- في الأذكار: فصل: في أحوال تعرضُ للذاكر يُستحبّ له قطعُ الذكر بسببها، ثم يعودُ إليه بعد زوالها): منها: إذا سُلِّم عليه، ردّ السلام، ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطسَ عنده عاطس، شمَّته، ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيبَ، وكذا إذا سمع المؤذّنَ، أجابَه في كلمات الأذان والإقامة، ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكرًا، أزاله، أو معروفًا، أرشد إليه، أو مسترشدًا، أجابه، ثم عاد إلى الذكر، كذا إذا غلبه النعاس، أو نحوه، وما أشبه هذا كله. انتهى.
ثم إن الفاصل اليسير بين الذكر وبين الصلاة ونحوها، الفاصل اليسير بين أبعاض الذكر لا يؤثر في استحقاق الذاكر الثواب المرتب على الذكر، كما ذكر ذلك الفقهاء، قال في كشاف القناع: يُسَنُّ ذِكْرُ اللَّهِ، وَالدُّعَاءُ، وَالِاسْتِغْفَارُ عَقِب الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي الشَّرْحِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمَا أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَلَوْ قَالَهُ بَعْد قِيَامِهِ، وَفِي ذَهَابهِ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُصِيبٌ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا، إذْ لَا تَحْجِيرَ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ شُغِلَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ، فَذَكَرَهُ، فَالظَّاهِرُ حُصُولُ أَجْرِهِ الْخَاصِّ لَهُ أَيْضًا، إذَا كَانَ قَرِيبًا لِعُذْرٍ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا، ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَالظَّاهِرُ فَوَاتُ أَجْرِهِ الْخَاصِّ، وَبَقَاءِ أَجْرِ الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ لَهُ. انتهى.
وإذا تقرر لك ما مر؛ علمت أن المشروع لك رد السلام على من سلم عليك، وكذا إذا خشيت فوات شخص تريد السلام عليه، فسلم عليه، ثم امض في الذكر، ولا يؤثر ذلك على استحقاقك الثواب المرتب عليه، كما مر بك.
وأما ما ذكرته من التكبير عند الصعود، فذلك إنما يشرع في السفر، لا الحضر، على ما رجحه الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، قال الشيخ: ولم ترد السنة بأن يفعل ذلك في الحضر، والعبادات مبنية على التوقيف، فيقتصر فيها على ما ورد، وعلى هذا؛ فإذا صعد الإنسان الدرجة في البيت، فإنه لا يكبر، وإذا نزل منها، فإنه لا يسبح، وإنما يختص هذا في الأسفار. انتهى.
والله أعلم.