الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم أهل الكتاب، وهل هم كفار أم لا؟ مع بيان حكم التزوج منهم في الفتاوى التالية: 2924، 10253
وأما الآية التي في سورة الإسراء، وهي قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً [الإسراء:58]. فيقول الطاهر بن عاشور عنها في كتابه التحرير والتنوير: لماعرض بالتهديد للمشركين في قوله: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً [الإسراء:57]، وتحداهم بقوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً [الإسراء:56]، جاء بصريح التهديد على مسمع منهم بأن كل قرية مثل قريتهم في الشرك لا يعدوها عذاب الاستئصال، وهو يأتي على القرية وأهلها، أو عذاب الانتقام بالسيف والذل والأسر والخوف والجوع، وهو يأتي على أهل القرية مثل صرعى بدر، كل ذلك في الدنيا، فالمراد: القرى الكافر أهلها، لقوله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، وقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59]. وحذف الصفة في مثل هذا معروف؛ كقوله تعالى: يأخذ كل سفينة غصبًا أي كل سفينة صالحة، بقرينة قوله: فأردت أن أعيبها.
وليس المقصود شمول ذلك القرى المؤمنة، على معنى أن لا بد للقرى من زوال وفناء في سنة الله في هذا العالم، لأن ذلك معارض لآيات أخرى، ولأنه منافٍ لغرض تحذير المشركين من الاستمرار على الشر. فلو سلمنا أن هذا الحكم لا تنفلت منه قرية من القرى بحكم سنة الله في مصير كل حادث إلى الفناء، لما سلمنا أن في ذكر ذلك هنا فائدة. والتقييد بكونه "قبل يوم القيامة" زيادة في الإنذار والوعيد، كقوله "ولعذاب الآخرة أشد وأبقى". انتهى.
وبهذا يتبين أن أي قرية تتصف بصفات الكافرين معرَّضة للإهلاك والتدمير من قبل رب العالمين، أو للعذاب والانتقام على أيدي المؤمنين، مهما كانت قوتها.
والله أعلم.