الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك في أن الأب مطالبٌ شرعا بالعدل بين أولاده في عطيته لهم، إما على سبيل الاستحباب، أو على سبيل الوجوب، قولان لأهل العلم، سبق أن ذكرناهما في عدة فتاوى. والقول بالوجوب هو المفتى به عندنا.
وعلى ذلك؛ فإن كانت هبة السيارات حصلت من الأمير لوالدكم، وامتلكها الوالد أولا، ثم وهبها لبعض أولاده، جرى في هذه الحال الخلاف المشار إليه سابقا، وعلى القول بوجوب العدل بين الأولاد، فلم يكن يجوز للوالد أن يخص بذلك بعض بنيه دون بقيتهم، وفي حكم رد هذه الهبة في حياة الواهب وبعد موته أيضا، خلاف بين أهل العلم، سبق أن فصلناه في الفتوى رقم: 161261.
وأما إن كان الأمير قد وهب السيارات لهؤلاء الأولاد دون أن يملكها لوالدهم، فلا إشكال في صحة هذه الهبة ونفاذها، وإن كانت بناء على طلب الوالد.
ويبقى النظر في حكم أن يستوهب الوالد لبعض بنيه دون بعض، وهذا لم نجد في خصوصه نصا لأهل العلم، ولكن يمكن القول بأنه إذا لم يكن هناك سبب لتخصيص هؤلاء الأولاد بالاستيهاب لهم، فإنه يكره تخصيصهم بذلك على ما يظهر لنا؛ لأن أهل العلم قد نصوا على استحباب التسوية بين الأولاد حتى في الأمور المعنوية - نعني غير المالية - فقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب النفقة على العيال، والمروزي في البر والصلة، وابن أبي شيبة في المصنف، عن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يستحبون أن يسووا بين أولادهم حتى في القبل. اهـ.
وقال الترمذي بعد رواية حديث نحل بشير لولده النعمان: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يستحبون التسوية بين الولد، حتى قال بعضهم: يسوي بين ولده حتى في القبلة. اهـ.
وقال البغوي في شرح السنة: وفي هذا الحديث فوائد، منها: استحباب التسوية بين الأولاد في النحل، وفي غيرها من أنواع البر حتى في القبل، ذكورا كانوا أو إناثا، حتى لا يعرض في قلب المفضول ما يمنعه من بره. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل. قال إبراهيم: كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبل. اهـ.
ومن طريف ما روي في هذا المعنى، ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: كان عمر بن عبد العزيز له ابن من امرأة من الحارث بن كعب، وكان يحبه وينام معه. قال: فتعرضت له ذات ليلة فقال: أعبد العزيز؟ قلت: نعم. قال: بني ما جاء بك؟ ادخل. فدخلت فجلست عند شاذكونتيه، فصلى عمر، فانتفض كأنه قصبة من لدن ظفره إلى شعره، فظننت أنه من نائبة، ثم ركع، فأتاني فقال: ما لك؟ فقلت: إنه ليس أحد أعلم بولد الرجل منه، وإنك تصنع بابن الحارثية ما لم تصنع بنا، فلست آمن أن يقال: هذا من شيء يراه عنده، ولا يراه عندهم. فقال: آلله أعلمك هذا أحد؟ قلت: لا. قال: فأعاد علي فأعدت، فقال: ارجع إلى مبيتك. فرجعت، وكنت أبيت أنا وإبراهيم وعبد الله وعاصم جميعا، فإذا نحن بفراش يُحمل، ثم تبعه ابن الحارثية قلت: ما شأنك؟ قال: شأني ما صنعت بي! قال نعيم – هو الراوي عن عمر - : كأنه خشي أن يكون جورا. اهـ.
والله تعالى أعلم.