الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلم تبيني لنا -أختي السائلة- حقيقة ما حلفت عليه، حتى نعلم هل هو مما يجوز فيه الحلف كذبا أم يحرم، وقد سبق أن بينا أن الحلف كذبا، يعتبر من اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، وأنه تجب التوبة منها، ولا كفارة فيها عند الجمهور، والتكفير عنها أحوط.
قال ابن قدامة في المغني: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَتَى بِهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ... اهـ.
والحلف كذبا لإنقاذ شخص مظلوم، جائز لا إثم فيه، ولا كفارة أيضا؛ لأن الكفارة إنما تكون في الحلف على أمر مستقبل لا ماضٍ.
قال صاحب كشاف القناع: فَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي فَلَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِانْعِقَادِ إمْكَانُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فِي الْمَاضِي ... اهـ.
وجاء في الفواكه الدواني عن الكذب الجائز: وَهُوَ مَا كَانَ لِإِنْقَاذِ نَفْسِ مَعْصُومَةٍ، أَوْ مَالٍ مَعْصُومٍ مِنْ ظَالِمٍ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. عِنْدَ التَّتَّائِيِّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهــ.
وانظر الفتوى رقم: 158679، وأيضا الفتوى رقم: 371644.
والله تعالى أعلم.