الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فليس بواضح ما إذا كان الأمر الذي تم عليه الإيجاب والقبول مجرد الخطبة، والاستجابة لك كخاطب، أو كان ذلك هو عقد الزواج ؟ فإذا كان عقد نكاح فليس من شروطه قراءة الفاتحة، بل إن قراءتها عند العقد لا أصل له في الشرع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ. متفق عليه، وفي صحيح مسلم مرفوعًا: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدٌّ.
وشروط صحة عقد النكاح هي: الإيجاب والقبول، والولي، والشاهدان، ولا يصح أن تكون أخت الزوجة شاهدة لأنه يشترط في الشاهدين أن يكونا ذكرين، في قول جمهور أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية: يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي شَاهِدَيِ النِّكَاحِ الذُّكُورَةَ، فَلاَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ عِنْدَهُمْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَلاَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لأِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ، رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الأْمْوَال عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَال: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لاَ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَلاَ فِي النِّكَاحِ وَلاَ فِي الطَّلاَقِ . اهـــ، وانظر الفتوى رقم: 160185 عن الشروط الواجب توفرها في شاهدي النكاح .
وفهمنا من سؤالك أنك أنت الذي باشرت القبول، ولم توكل والدك فيه، وأن الشاهدين هما والدك وأخوك، ولم يوجد غيرهما، فإن كان هذا هو الواقع فإن الفقهاء اختلفوا في صحة شهادة الوالد لولده، والولد لوالده، فذهب بعضهم إلى عدم صحة شهادته. قال البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات في شروط الشاهدين: بِأَنْ لَا يَكُونَا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الْوَلِيِّ، فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ أَبِي الزَّوْجَةِ أَوْ جَدِّهَا فِيهِ، وَلَا ابْنِهَا وَابْنِهِ فِيهِ، وَكَذَا أَبُو الزَّوْجِ وَجِدُّهُ وَابْنُهُ وَابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ لِلتُّهْمَةِ، وَكَذَا أَبُو الْوَلِيِّ وَابْنُهُ ... اهــــ
وذهب بعض الفقهاء إلى انعقاد النكاح بشهادة والد الزوج، وهذا الاصح عند الشافعية، جاء في تحفة المحتاج: وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ ... بِجَدَّيْهِمَا وَبِجَدِّهَا وَأَبِيهِ لَا أَبِيهَا ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ ... اهــــ .
والقول بالصحة هو المفتى به عندنا كما في الفتوى رقم: 233545 ، ولا إشكال أيضا في كون الشاهد الثاني أخاك، قال في كشاف القناع: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ لِبَاقِي أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ كَشَهَادَتِهِ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ ... اهــــ
وإذا حكمنا بصحة العقد فإن لك أن تخلو بها، ولها أن تخرج معك، ويحل لك ما يحل للرجل من امرأته؛ إلا أن الأولى عدم جماعها حتى يتم الإشهار.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا عقد عليها صارت زوجته يجوز أن يخاطبها في الهاتف، ويجوز أن يخرج بها وحدها إلى خارج البلد، ويجوز أن يذهب إليها في بيت أهلها، وأن يخلو بها، ولا حرج في هذا كله؛ لكننا لا ننصح أن يحصل بينهما جماع في هذه الحال، أعني إذا عقد عليها، ولم يحصل الدخول المعلن لا ننصح أن يكون بينهما جماع؛ لأنه لو كان بينهما جماعٌ ثم حصل خلافٌ بينهما وطلقها وبانت حاملاً حصل في هذا إشكال، أو ربما تتهم المرأة، وكذلك لو مات عنها بعد أن عقد عليها وجامعها قبل الدخول المعلن، ثم حملت قد تتهم، لكن له أن يباشرها بكل شيء إلا الجماع؛ لأننا نخشى منه هذا الذي ذكرناه. اهــ
والله تعالى أعلم.