الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه الأخ السائل على أن الإجارة من العقود اللازمة لطرفي العقد، فإذا انعقدت لم يصح فسخها من أحد الطرفين منفردا، إلا بعذر.
والأعذار التي تنفسخ بها الإجارة، محل خلاف بين أهل العلم، والجمهور على أنها لا تفسخ إلا بعذر شرعي، أو حسي يتعلق بمصلحة عامة، وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 46107.
وأما بخصوص فسخ الإجارة، أو رد البيت المستأجر بسبب سوء الجوار، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فعده بعضهم عيبا ترد به الدار المستأجرة.
قال عليش المالكي في شرحه لمختصر خليل: قال ابن يونس: من اكترى دارا فوجد لها جيران سوء، فله ردها؛ لأنه عيب. ولهذا قال الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- فيمن اشترى دارا، فإذا لها جيران سوء: إنه عيب ترد به.
قال الشاعر:
يقولون لي بعت الديار رخيصة ولا أنت مديون ولا أنت مفلس
فقلت لهم كفوا الملامة واقصروا بجيرانها تغلو الديار وترخص. اهـ.
وجاء في شرح الحطاب لمختصر خليل: قال الوانوغي: البق عيب ولو في السرير، وكثرة النمل عيب، وفي سوء الجار خلاف. (قلت:) الصواب أنه ليس بعيب؛ لأنه ليس براجع إلى شيء من أحوال المبيع. وفيما قاله نظر، والخلاف الذي في سوء الجار حكاه في الطراز، قال في الموازية: سوء الجار في الدار المكتراة عيب ترد به إذا لم يعلم، وقال غيره: ليس ذلك عيبا في البيع، وقد قال أبو صالح الحراني: سمعت مالكا يقول: ترد الدار من سوء الجيران. ولم يأت إلا من هذا الطريق. المشذالي في العاشرة من الجزء الخامس من كتاب الجامع من سماع ابن القاسم. قال مالك كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجار السوء، في دار إقامة. ابن رشد: المحنة بالجار السوء عظيمة، وقد روي عن مالك أن الدار ترد من سوء الجار.اهـ.
وقال الزرقاني في شرحه: من اكترى أو اشترى دارا لها جيران سوء، فعيب ترد به. اهـ.
ولا يخفى أن الحكم بسوء الجوار وما يترتب عليه من أحكام، يحتاج إلى حكم قاض شرعي، أو من يقوم مقامه. وهذا إن ثبت أو حصل، فإنما يكون في بقية مدة العقد، أما المدة التي كانت الشقة فيها بحوزة المستأجر، فهذه أجرتها مستحقة للمؤجر.
وأما العمولة فإنها تُستحَق لصاحبها بإتمام عمله، وهذا يختلف بحسب الاتفاق، وبحسب العرف الجاري في بلدكم، فالحكم فيها هي الأخرى يحتاج إلى قاض، أو من يقوم مقامه، وانظر للفائدة الفتويين: 115426، 43689.
والله أعلم.