الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوجود الغيرة بين الزملاء في العمل من الأمور التي تحدث كثيرا، وينبغي مواجهة ذلك بحكمة وصبر، فعاقبة الصبر خير بإذن الله، وراجعي الفتوى رقم: 18103. وقد أحسنت بدعائك لها أن يرزقها ربها الهداية والرشد والصواب، ونرجو أن يتحقق ذلك، فالدعاء من أسلحة المسلم العظيمة التي لا ينبغي له ن يغفل عنها، وربنا أمرنا بالدعاء، ووعدنا بالإجابة فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، فهذان أمران مهمان، نعني الصبر والدعاء.
وهنالك أمر ثالث، وهو الإحسان، فقد تملك به القلوب، وتدفع به الضغائن، فتنقلب العداوة إلى صداقة، والبغضاء إلى مودة، كما قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
قال ابن كثير: وقوله: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة؛ أي: فرق عظيم بين هذه وهذه، ادفع بالتي هي أحسن؛ أي: من أساء إليك، فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبتَ من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه. وقوله: فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم؛ وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم؛ أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. اهـ.
الأمر الرابع: أن لا تظهري ما قد يكون سببا في استثارتها ودفعها للغيرة أو الحسد، قال تعالى عن يعقوب عليه السلام يخاطب أبناءه: وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ {يوسف:67}، قال السعدي: ذلك أنه خاف عليهم العين، لكثرتهم وبهاء منظرهم، لكونهم أبناء رجل واحد... اهـ.
وقال ابن القيم: فصل: ومن علاج ذلك -العين- أيضا والاحتراز منه ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها، كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة: أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا فقال: دسموا نونته لئلا تصيبه العين، ثم قال في تفسيره: ومعنى دسموا نونته: أي: سودوا نونته، والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومن هذا أخذ الشاعر قوله: ما كان أحوج ذا الكمال عيب يوقيه من العين. اهـ.
الأمر الخامس: من خاف شر أحد، فليسأل الله أن يحميه منه، كما هو الهدي النبوي، روى أحمد وأبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا خاف من رجل أو من قوم قال: اللهم إني أجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
والله أعلم.