الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما سبب اختلاف تلك المواقيت فأمر يجيب عنه المختصون المعنيون بالفلك، وأما ما يلزمك شرعا إن لم تكن تحسن النظر في العلامات الكونية التي بها يعرف دخول وقت الصلاة، فهو أن تقلد من تثق به، وإذا اختلف ثقتان في وقت الفجر، فالأصل عدم دخول الوقت، ومن ثم فيسعك أن تأكل وتشرب ما شككت في طلوع الفجر؛ لقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ {البقرة:187}.
وقد بين العلامة ابن عثيمين رحمه الله حكم هذه المسألة فقال ما عبارته: وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات. ولكن هذه التقاويم تختلف؛ فأحياناً يكون بين الواحد والآخر إلى ست دقائق، وهذه ليست هيِّنة، ولا سيَّما في أذان الفجر وأذان المغرب؛ لأنَّهما يتعلَّق بهما الصِّيام، مع أن كلَّ الأوقات يجب فيها التَّحري، فإذا اختلف تقويمان، وكلٌّ منهما صادرٌ عن عارف بعلامات الوقت، فإننا نُقدِّم المتأخِر في كلِّ الأوقات؛ لأنَّ الأصل عدم دخول الوقت، مع أن كلًّا من التَّقويمين صادر عن أهلٍ، وقد نصَّ الفقهاء رحمهم الله على مثل هذا فقالوا: لو قال لرَجُلين ارْقُبَا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجرُ، وقال الثاني: لم يطلع؛ فيأخذ بقول الثَّاني، فله أن يأكل ويشرب حتى يتَّفقا بأن يقول الثَّاني: طلع الفجر، أما إذا كان أحد التقويمين صادراً عن أعلم أو أوثق فإنَّه يقدَّم. انتهى
وأما الاختلاف بين الحنفية وبين الجمهور فليس في توقيت صلاة الفجر، وإنما هو في توقيت صلاة العصر التي يرى الحنفية حصوله بصيرورة ظل الشيء مثليه، ويرى الجمهور أنه يحصل بصيرورة ظل الشيء مثله، وكذا اختلف الحنفية مع الجمهور في وقت صلاة العشاء، فرأوا أنه يدخل بمغيب الشفق الأبيض، بينما يرى الجمهور أنه يدخل بمغيب الشفق الأحمر.
والعامي يقلد من يثق بقوله من أهل العلم، والمفتى به عندنا في هذه المسائل هو مذهب الجمهور.
والله أعلم.