الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمحادثة بين الأجنبيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو غيرها -إن لم تكن وفق ضوابط الشرع، وعلى حال يبعد عن الفتنة- وبال على صاحبها، وذريعة إلى ما يوجب الندم. ومن هذا الباب أُتِيت، ولو أنك اتقيت الله عز جل، لكنت في عافية من ذلك كله.
ولا تنس أن الشيطان عدو الإنسان، يستدرجه إلى مصائده استدراجًا خطوة بعد خطوة؛ حتى يوقعه فيها؛ ولذا حذر رب العزة والجلال منه، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21}، فما حدث منكما هو مصداق هذه الآية، فمن مجرد محادثة معها شيء من الاحتشام، إلى إبداء العورات، وإثارة الشهوات، إلى الوقوع في واحدة من أعظم الكبائر الموبقات -أي: الزنى، الذي رتب الشرع عليه العقوبة في الدنيا والآخرة-، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 1602.
ولو أنك نظرت بعين البصيرة، لعلمت أن مثلها لا يرتضيها المسلم لنفسه زوجة، فهي غير مرضية في دِينها، وقد ثبت في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع؛ لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين تربت يداك.
وقد أحسنت بندمك على ما فات، والندم باب للتوبة النصوح المستوفية لشروطها.
ومن تمام توبتك: أن تقطع تمامًا كل علاقة لك بها، واحذر الحيل النفسية، ومحاولة التبرير للتواصل معها.
وإن كانت فعلت ما فعلت معك من آثام عن طواعية واختيار، فهي قد جنت على نفسها، ولا تكون بذلك ظالمًا لها؛ ولهذا لم يوجب الفقهاء على الزاني شيئًا للمرأة المطاوعة في الزنى، بخلاف المكرهة، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 198321.
وأما الوالد ونحوه، فقد ذكر بعض أهل العلم أن له حقًّا في ذلك، ولكن التوبة من هذه الحقوق المعنوية لا يلزم فيها طلب السماح، ويكفي الدعاء له بخير، وانظر الفتوى رقم: 241840، والفتوى رقم: 18180.
وإن تابت هذه الفتاة، وغلب على الظن صدق توبتها، فلا بأس بأن تتزوجها، ولكن ما ذكرت من كونها تريد أن تبقي ما أسمته بـ: "العلاقات الإنسانية " مع رجال أجانب عنها، ربما يكون مؤشرًا على أنها لم تصدق في هذه التوبة، فكن على حذر منها، وابحث عن امرأة صالحة تتزوجها؛ لتعينك في أمر دِينك، ودنياك.
واحرص على ما يجنبك أسباب الفتنة من العلم النافع، والعمل الصالح، وحضور مجالس الخير، وصحبة الأخيار، ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى: 1208، 10800، 12928.
والله أعلم.