الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا بدّ من التنبيه على أنه لا يمكن الجزم بكون شخص معيّن له جبال من الحسنات؛ فإن قبول الطاعات أمر غيبي، لا يمكن الاطلاع عليه، وقد ذكر الله تعالى أن من صفات عباده المتقين كونهم يخشون أن لا يتقبل الله تعالى منهم ما يفعلونه من الطاعات، حيث قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، وفي تفسير ابن كثير: عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله، {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}،هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: "لا يا بنت أبي بكر، يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل. انتهى. وراجع المزيد في الفتوى رقم: 148887. وهي بعنوان "شراء الحسنات.. رؤية شرعية".
وبخصوص أكل المال الحرام, فقد ثبت فيه الوعيد الشديد, ومن ذلك قوله صلى الله عليه, وسلم: كل جسد نبت من سحت، فالنار أولى به. صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
لكن إذا تاب آكل الحرام توبة صادقة, أو حصل له سبب آخر يمحو ذنبه, فإنه لا يشمله هذا الوعيد، قال المناوي في فيض القدير: (كل جسد) وفي رواية: (كل لحم) (نبت من سحت، فالنار أولى به) هذا وعيد شديد يفيد أن أكل أموال الناس بالباطل من الكبائر. وقال أيضًا: لأن الخبيث للخبيث، فأسند ما ذكر إلى اللحم لا إلى صاحبه؛ إشعارًا بالغلبة، وأنه حيث لا يصلح لدار الطيبين، التي هي الجنة، بل لدار الخبيثين، التي هي النار، هذا على ظاهر الاستحقاق. أما إذا تاب الله عليه، أو غفر له بغير توبة، أو أرضى خصمه، أو نالته شفاعة شفيع، فهو خارج من هذا الوعيد. انتهى.
وللمزيد عن مصير من خلط عملًا صالحًا بآخر سيئ، تراجع الفتوى رقم: 112618.
والله أعلم.