الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأما علو درجة المهتدي إن استقام على الطاعة واجتهد، فوق درجة من دعاه إلى الهدى، فهذا ممكن، ولا يلزم من كون الداعي له مثل أجر المدعو، أن يكون ثوابهما سواء في المقدار أو المضاعفة.
قال المناوي في فيض القدير: (من دل على خير) شمل جميع أنواع الخصال الحميدة (فله) من الأجر (مثل أجر فاعله) أي له ثواب كما لفاعله ثواب، ولا يلزم تساوي قدرهما. ذكره النووي. أو أن المراد المثل بغير تضعيف .. اهــ.
وقد بينا في الفتوى رقم: 277054 أنه لا يبلغ درجات الصحابي أحد ممن جاء بعده، وذكرنا سبب ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء، خلافاً للحافظ ابن عبد البر، وراجع الفتوى رقم: 139963.
وأما غير الصحابة من الناس، فلا شك أن المتقدمين من السلف أفضل في الجملة من المتأخرين، كما يدل عليه حديث: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.
وقد قال المناوي في شرح الحديث السابق، مبينا أن ما وصلنا من الخير إنما جاءنا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن طريق السلف، وأن لهم أجرا على ذلك.
قال: وبه يظهر رجحان السلف على الخلف، وأنه كلما ازاد الخلف ازداد أجر السلف ... اهــ.
ومع ذلك فلا يبعد أن يأتي من الخلف من يقوم لله تعالى في إقامة دينه ونصرة شريعته، في زمن مشقة وجهاد، فتعلو درجته على درجة من سبقه من الخلف غير الصحابة، وقد جاء في الحديث عند الإمام أحمد في المسند -وصححه الألباني وأحمد شاكر- مرفوعا: يَخْرُجُ مِنْ عَدَنِ أَبْيَنَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، يَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، هُمْ خَيْرُ مَنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ.
والله تعالى أعلم.