الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لمن كان له مال وليس عنده من تلزمه نفقته، أن يوقف جميع ماله في أوجه الخير، بشرط أن يكون ذلك في حال صحته.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ، أَوْ كَانَ لِمَنْ يُمَونُ كِفَايَتُهُمْ، فَأَرَادَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَكَانَ ذَا مَكْسَبٍ، أَوْ كَانَ وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ، يُحْسِنُ التَّوَكُّلَ وَالصَّبْرَ عَلَى الْفَقْرِ، وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، فَحَسَنٌ. اهـ.
ويجوز له عند الحنابلة أن يشترط الإنفاق على نفسه من الوقف، سواء شرط مبلغاً معيناً أو متغيراً حسب حاجته، خلافاً للمالكية والشافعية، فلا يجوز عندهم أن ينتفع من الوقف.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا اشْتَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ، صَحَّ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ......
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ، فَلَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُ نَفْعِهِ لِنَفْسِهِ. اهـ.
وقال: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً مُعَيَّنَةً، وَسَوَاءٌ قَدَّرَ مَا يَأْكُلُ مِنْهُ، أَوْ أَطْلَقَهُ. اهـ.
وأمّا أن يأخذ من الوقف الذي جعله لجهة معينة كما يشاء لينفقه في أوجه أخرى، فلا يصحّ ذلك.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: وَإِنْ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَيُدْخِلَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ. اهـ.
والله أعلم.