الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا ريب فيه أن عبادة الله تعالى هي الرسالة الأولى، والغاية العظمى للمسلم في حياته، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}، ولكن هذا لا يعني أن تكون حياة المسلم عبادة كلها، بحيث لا يتمتع منها بشيء مباح، فهذا مما لا يقره شرع ولا عقل سليم، قال الله سبحانه مخاطبا الرسل: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {المؤمنون:51}، وقال مخاطبا المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {البقرة:172}.
ولم تقتصر حياة الرسل في هذه الحياة على تبليغ الرسالة، أو عبادة الله سبحانه، بل كانت لهم مهن، كما سبق وأن بينا في الفتوى رقم: 55846.
وهكذا كان السلف، فكان منهم: الآجُري، نسبة إلى عمل الآجُر وبيعه؛ والباقلاني، نسبة إلى الباقلا وبيعه؛ والتوحيدي، نسبة إلى بيع التوحيد وهو نوعٌ من التُّمور؛ والجصَّاص، نسبة إلى العمل بالجصِّ وتبييض الجدران؛ والحاسب، نسبة إلى مَن يعرف الحساب؛ والقطعي، نسبة إلى بيع قِطع الثياب؛ والقفَّال، والخرَّاز، والخوَّاص، والخبَّاز، والصبَّان، والقطَّان، والحذَّاء، والسمَّان، والصوَّاف، والزيَّات، والفرَّاء.
علما بأن هذه الأعمال المباحة تصير بالنية الصالحة قربة من القربات، يؤجر عليها صاحبها، وسبق أن أوضحنا ذلك في الفتوى رقم: 235213.
والنفس تحتاج إلى الترويح عليها بما هو مباح، بل إن هذا الترويح مما يعين النفس على الإقبال على العبادة بجد ورغبة ونشاط، كما هو مبين في الفتوى رقم: 132744.
فعلى هذا النهج الذي ذكرناه ينبغي أن تفهم دينك، وعلى هذا الأساس يكون سيرك في هذه الحياة حتى تلقى الله وهو راض عنك، ولا تهتم لمدح مادح من الناس، أو قدح قادح.
والله أعلم.