الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حلف على ترك هذه الأشياء، وفعل شيئاً منها، فكفّر عن يمينه، ثم فعل شيئاً آخر، فعليه كفارة أخرى. وهكذا، كلما فعل شيئاً مما حلف على تركه، كفر عنه كفارة يمين.
أما إذا حنث في الجميع قبل أن يكفر عن يمينه، فالجمهور على أنّه يكفر عن كل يمين كفارة، وبعض أهل العلم يرى أن كفارة واحدة تجزئه.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: وَإِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا عَلَى أَجْنَاسٍ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلَتْ، وَاَللَّهِ لَا شَرِبْت، وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت. فَحَنِثَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. فَإِنْ أَخْرَجَهَا، ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينٍ أُخْرَى، لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا أَيْضًا خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي الثَّانِيَةِ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ عَنْ الْأُولَى، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ فِي رَمَضَانَ، فَكَفَّرَ، ثُمَّ وَطِئَ مَرَّةً أُخْرَى. وَإِنْ حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ.
هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَرَوَاهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَرَوَاهَا ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ الْقَاضِي: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ قَوْلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ كَفَّارَةً وَاحِدَةً تُجْزِئُهُ.
وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ، فَتَدَاخَلَتْ، كَالْحُدُودِ مِنْ جِنْسٍ. اهـ.
واعلم أنّ استعمال الأيمان لحمل النفس على الإقلاع عن المعاصي، مسلك غير سديد، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 151459
والسبيل القويم هو الاستعانة بالله عز وجل، والتوبة النصوح، وراجع الفتوى رقم: 7170
والله أعلم.