الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالبضاعة التي تبقى عند التاجر فترة من الزمن كاسدة متعثرا في بيعها له أن يقطع نية الاتجار بها، وينوي بها القنية وحينئذ تصبح من ممتلكاته الشخصية وليست من عروض التجارة، قال النووي في المجموع: ثم إذا صار للتجارة ونوى بها القنية، صار للقنية وانقطع حكم التجارة بلا خلاف. انتهى. وقال الدكتور يوسف القرضاوي -حفظه الله- في فقه الزكاة: أما إذا نوى تحويل عرض تجاري معين إلى استعماله الشخصي فتكفي هذه النية عند جمهور الفقهاء لإخراجه من مال التجارة، وإدخاله في المقتنيات الشخصية غير النامية. انتهى. أما إذا لم يقطع نية الاتجار فجمهور العلماء يرون أن السلع وإن بارت فإنها تقوم كلما حال عليها حول هجري وتزكى، لكن ذهب بعض المالكية إلى أن البضاعة الكاسدة لا يُزكى إلا ما بيع منها بالفعل، وقد ذكر الدكتور القرضاوي هذين الرأيين في كتابه القيم: "فقه الزكاة" فقال -حفظه الله- واختلف قول المالكية في التاجر المدير إذا بارت سلعه وكسدت بضاعته هل يصير محتكراً، فلا يزكي إلا ما باعه بالفعل، أم يظل مديراً فتقوم عروضه كل عام ويزكيها، قال سحنون : يصير محتكراً، خلافاً لابن القاسم وبماذا يحد البوار؟ هل يحد بعامين أو بالعرف؟ قولان لسحنون وعبد الملك . والحق أن رأي الجمهور أقوى دليلاً من رأي مالك ، فإن الاعتبار الذي قام على أساسه إيجاب الزكاة في عروض التجارة أنها مال مرصد للنماء مثل النقود، سواء أنمت أم لم تنمُ، بل سواء ربحت أم خسرت، والتاجر -مديراً أو غير مدير- قد ملك نصاباً نامياً فوجب أن يزكيه. ومع هذا قد يكون لرأي مالك وسحنون مجال يؤخذ به فيه، وذلك في أحوال الكساد والبوار الذي يصيب بعض السلع في بعض السنين، حتى لتمر الأعوام ولا يباع منها إلا القليل، فمن التيسير والتخفيف على من هذه حاله ألا تؤخذ منه الزكاة إلا عما يبيعه فعلاً، على أن يعفى عما مضى عليه من أعوام الكساد، وذلك لأن ما أصابه ليس باختياره، ولا من صنع يده. انتهى.
وهذا القول الأخير الذي رجحه الدكتور القرضاوي هو قول قوي ومتجه وهو الذي نقول به إذ أن كثيراً من التجار قد يبتلون بأصناف تكسد لديهم نتيجة لامتلاء السوق بمعروضات جديدة يقبل عليها الناس ويزهدون في القديم، وبالتالي تظل البضاعة ربما لسنوات طوال، ولا تجد من يشتريها فلو أوجبنا الزكاة فيها لكان في ذلك مشقة على التجار لا تخفى، وهو يتنافى مع روح الشريعة التي جاءت بالتيسير ورفع الحرج، وعلى هذا فالبضاعة الكاسدة إذا قطع التاجر نية الاتجار بها فحكمها كما سبق، وإذا استمرت نية التجارة فليس عليه فيها زكاة إلا ما باعه منها، ويعفى عما مضى عليها في أعوام الكساد مهما طالت.
فائدة: جاء في ما سبق لفظ (التاجر المدير) وهو من المصطلحات المعروفة لدى المالكية حيث إن الإمام مالكاً -رحمه الله- يفرق بين صنفين من التجار: الأول: يطلق عليه التاجر المدير وهو الذي يبيع ويشتري بالسعر الحاضر مثل تجار البقالة والأقمشة ونحوهم. الثاني: يطلق عليه التاجر المحتكر، وهو الذي يشتري السلعة ويتربص بها رجاء ارتفاع السعر، وعند مالك -رحمه الله- أن المدير يزكي عروضه على رأس كل حول، أما المحتكر فيزكيها لسنة واحدة إذا باعها، وخالفه الأئمة الثلاثة والجمهور، ورأوا أن المدير وغير المدير حكمهما واحد.
والله أعلم.