الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الواقع ما ذكرت من أن هذا الرجل قد صار على هذا الحال من الانتكاس، بعد الاستقامة على الجادة، فأمره خطير؛ لأنه آثر الحياة الدنيا على الآخرة، وسلك سبيل الردى، معرضا عن طريق الحق والهدى، فما أشبه حاله بمن قال الله عز وجل عنه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {الأعراف175 : 176}، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأل الله عز وجل له التوبة والهداية.
ثم إنه جمع إلى التفريط في حق ربه، تفريطه في حق خلقه، بعدم قيامه بما يجب عليه تجاه أهله وأولاده، روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. وإذا انضم إلى ذلك كونه قد سبك، وآذاك وضربك، كانت هذه المنكرات ظلمات بعضها فوق بعض.
ومع هذا كله نوصي بالدعاء له، وأن يبذل له النصح ويوعظ، ويقال له في نفسه قولا بليغا، ويذكر ويخوف بالله، وأليم عقابه، ويفتح له في الوقت ذاته باب الأمل ورجاء القبول إن رجع إلى ربه، وإليه أناب، فإنه سبحانه يتوب على من تاب، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
فإن استمع للنصح وبه انتفع، فبها ونعمت، وإلا فالأولى بك فراقه، فلا خير لك في البقاء في عصمة مثله، معذبة نفسك بسببه.
قال البهوتي الحنبلي: وإذا ترك الزوج حقًّا لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحب لها أن تختلع منه، لتركه حقوق الله تعالى... اهـ.
وإذا أنفقت على نفسك وولدك -غير متبرعة- جاز لك الرجوع عليه بما أنفقت بالمعروف، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 34771.
والله أعلم.