الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فما دمت تبحثين عن رضا الله تعالى، وتخافين أن تموتي على سوء الخاتمة، فأنت على خير إن شاء الله تعالى. ولكن صَدِّقي هذا الخوف، وذاك الحرص، بالعمل الصالح. ومن أهمه التوبة الصادقة من الذنب كلما وقعت فيه، مع تحقيق شروطها من الندم والترك، والعزم على عدم العودة إليه. ثم إذا وقعت في الذنب ثانية، فجددي التوبة وهكذا، ولا تيأسي.
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما، من حديث أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا- فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ- فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -أَوْ أَصَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ -أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ.
والمعنى ما دام أنه يتوب كلما أذنب، فإن الله سيغفر له.
والمرض الذي تصابين به، نرجو أن يكون كفارة لك -إن شاء الله تعالى- ففي الحديث: مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ. رواه البخاري، وعند الترمذي -أيضا- مرفوعا: إِذا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ الخَيْرَ، عَجَّلَ لهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيا. وَإذا أرَادَ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ، أمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ.
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَالِاسْتِغْفَارِ. اهـ.
وأما كيف تنسين الماضي، فاجتهدي في عدم تذكره، والاشتغال عنه بملء الحاضر بطاعة الله تعالى، وإن خطر ببالك، فاندمي على ما بدر منك فيه، فإن ندمك من التوبة، واجتهدي في دعاء الله تعالى أن يوفقك للتوبة النصوح، وأن يتقبلها منك.
وانظري الفتوى رقم: 215986 عن كيفية التوبة النصوح من تكرار المعصية.
والله تعالى أعلم.