الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن الكريم نزل من عند الله -عزَّ وجلَّ-، وليس فيه أي اختلاف أو تناقض، كما قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82]. وإذا بدا لشخص ما تناقضاً أو اختلافاً، فهذا راجع إلى عدم فهم الآيات، وليس هناك اختلاف بين قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]، وبين قوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [الممتحنة:7]، لأن قوله: "أن يجعل بينكم وبينهم مودة" ذلك بأن يسلموا، أي عسى أن يهديهم الله للإسلام، فيصيروا إخواناً لكم، ومن أهل دينكم، ويؤلف الله بين قلوبكم بالإيمان.
وفعلاً قد أسلم بعض صناديد قريش بعد فتح مكة، مثل أبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وغيرهم، وصاروا إخوة للصحابة -رضي الله عنهم-، كما قال الله تعالى ممتناً على الأنصار: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ [آل عمران:103].
أما إذا لم يسلموا، فهم كفار تحرم مودتهم، ويجب بغضهم ومعاداتهم، كما قال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].
والله أعلم.