الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أولا أن هناك فرقا بين الحكم بصحة العبادة، وبين القول بأنها مقبولة، فالقبول أمر غيبي يعلمه الله تعالى، ولا يطلع عليه العباد، فقد تقع العبادة صحيحة ويسقط بها التكليف، ولكنها غير مقبولة عند الله تعالى؛ لعارض الرياء، أو نحو ذلك من محبطات الأعمال.
والذي يمكننا أن نبينه هو صحة العبادة من عدم صحتها، والحج أو الاعتمار بمال حرام، مختلف في صحته بين أهل العلم، فالجمهور على أنه صحيح، تبرأ به الذمة، وقيل لا يصح.
قال الإمام النووي في المجموع: إذَا حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ، أَوْ رَاكِبًا دَابَّةً مَغْصُوبَةً، أَثِمَ، وَصَحَّ حَجُّهُ، وَأَجْزَأَهُ عندنا. وبه قال أبو حنيفة ومالك، والعبدري، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُجْزِئُهُ، وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْحَجَّ أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ، وَالتَّحْرِيمُ لِمَعْنىً خَارِجٍ عَنْهَا. اهــ.
وفي الموسوعة الفقهية: فَإِنْ خَالَفَ وَحَجَّ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ، أَوْ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ، صَحَّ حَجُّهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، لَكِنَّهُ عَاصٍ وَلَيْسَ حَجًّا مَبْرُورًا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ. وَقَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لاَ يُجْزِيهِ الْحَجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَصِحُّ مَعَ الْحُرْمَةِ. اهـ.
ثم إن المال المكتسب من العمل في بنك ربوي، يعتبر كسبا خبيثا، وقد بينا في الفتوى رقم: 339079 أن المال المحرم بسبب كسبه، إنما يحرم على مكتسِبه، وليس محرمًا على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ فإذا أهدى أخوك المال لوالدك، فنرجو أن لا حرج عليه فيه، وأنه يحل له.
والله تعالى أعلم.