الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت هذه الخامات وخلطتها سرية لدى هذا المصنع، والسائل لم يطلع عليها إلا بحكم عمله ومهنته فيه، فالذي نراه أنه لا يجوز له استغلال ذلك إلا بإذن أصحاب المصنع، وأن ذلك يدخل في أسرار المهنة التي يجب حفظها لأهلها.
جاء في الموسوعة الفقهية: يتنوع السر إلى ثلاثة أنواع:
أ - ما أمر الشرع بكتمانه.
ب - ما طلب صاحبه كتمانه.
ج - ما من شأنه الكتمان، واطلع عليه بسبب الخلطة أو المهنة. اهـ.
والباحثون المعاصرون يتناولون قضية سر المهنة، وحكم إفشائه في الشريعة، وحمايته من الناحية القانونية.
جاء في بحث: (الحمایة الجنائیة لسر المهنة، دراسة مقارنة بین الفقه الإسلامي والقانون الجزائري): لم یعرف الفقه الإسلامي سر المهنة كمركب إضافي، بل تطرق إلى مفهوم السر بالمعنى العام، وكذلك الأمر بالنسبة للقانون الجزائري كغیره من التشریعات الذي ترك للفقه شرح مفهومه، والعمل على تعریفه كما یلي: "سر المهنة هو ما یحصل علیه صاحب مهنة جراء ممارسته لمهنته، ویحظر القانون إفشائه". كما تمَّ تعریفه بأنَّه "واقعة أو صفة یتحصل نطاق العلِم بها في عدد محدود من الأشخاص، إذا كان ثمَّة مصلحة یعترف بها القانون لشخص أو أكثر یظلُّ العلم بها محصورا في ذلك النِّطاق". اهـ.
كما تناول الباحث شريف إدريس في رسالته: (كتمان السر وإفشاؤه في الفقه الإسلامي) مسألة السرية في الابتكار العلمي، وأن صفتها تختلف باختلاف أحوالها، وقسمها باعتبار بقاء السرية إلى قسمين:
1) تزول الصفة السرية من هذا الإنتاج العقلي المبتكر بعد تصنيعه في العالم الصناعي، مع بقاء حقه في ملكيته، كموديل السيارة والبناية وغيره من الاختراعات المرئية.
2) بقاء صفة السرية فيه، ولو بعد تطبيقه في العالم الصناعي، كسرية خلطة المشروبات والمأكولات. ففي هذه الحالة يبقى حقه في ملكيته وسريته معا. اهـ.
والمقصود أن الخامات ونسبها، وكيفية خلطها، مما يعد سرا في هذا المصنع، له حق الاتفاع به واستغلاله، كما أن له الحق في بقاء سريته، ولا يجوز للسائل أن يستعمله ويستغله في مصنع خاص به، إلا بإذن أصحاب المصنع.
والله أعلم.