الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنجمل الجواب عما سألت عنه، فيما يلي:
أولا: الواجب عليك ترك العمل فورا في البنك الربوي، ولو قبل تعلم التقنيات الجديدة.
ثانيا: الأموال المكتسبة من ذلك العمل، فيها تفصيل، وهو: أن من عمل في البنك الربوي جاهلا بالتحريم، حلَّ له الراتب الذي تقاضاه، سواء كان قد أنفقه، أو بقي في يده. فيما ذهب إليه بعض أهل العلم؛ لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة/275.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: أنا أعمل في أحد البنوك، وكما تعلمون فضيلتكم أن البنوك تتعامل بالفوائد، فهي تعطي المواطنين قروضا بفوائد، وتقبل منهم الودائع بفوائد أيضا، وقد علمت أن العمل بالبنوك حرام؛ لأنها على هذه الحال تعتبر بنوكا ربوية، وإني أطلب من سيادتكم إجابتي عن استفساراتي التالية:
1- هل عملي بالبنك حرام، أم إنني أعمل مقابل أجر، ولست أنا صاحب المال؟
2- هل أترك العمل بالبنك، وأبحث عن عمل آخر، وهل أترك البنك قبل الحصول على عمل آخر، أم أبحث عن عمل أولا، ثم أترك البنك؟ هذا مع العلم أنني لن أجد أي عمل يكافئني عن عمل البنك من حيث الراتب.
3- إذا كان العمل بالبنوك حراما، فما حكم الفترة التي بها لي البنك، والتي تصل حوالي 12 سنة، وهل ما جمعت من أموال تعتبر أموالا حراما أم حلالا؟ وقد سبق أن حجيت إلى بيت الله الحرام، وطبعا كانت النفقة من مالي، وهو من راتب البنك، فهل هذه الحجة مقبولة؟
وكان الجواب:
أولا: العمل في البنوك التي تتعامل بالربا من الأمور المحرمة، ولا يجوز لك أن تستمر فيه؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه) رواه الخمسة وصححه الترمذي. وعليك التوبة إلى الله من ذلك.
ثانيا: المدة التي جلستها في البنك للعمل فيها: نرجو من الله أن يغفر إثمها عنك، وما جمعته من نقود وقبضتها بسبب العمل في البنك عن المدة الماضية: لا إثم عليك فيها؛ إذا كنت تجهل الحكم في ذلك، وما صدر منك من الحج، الذي زادُه من هذه الأموال التي أخذتها من البنك مقابل عملك: نرجو أن يتقبله الله منك؛ لقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم: انتهى.
وعليه؛ فإن كنت جاهلا بحرمة العمل في البنك الربوي، خلال المدة الماضية. فما اكتسبته من ذلك العمل، لا حرج عليك فيه، سواء ما أنفقته، أو بقي لديك.
وأما لو كنت عالما بالتحريم، فلا يحل لك ما اكتسبته منه، إلا ما احتجت إليه منه حاجة معتبرة في نفقتك. وما زاد عن ذلك؛ فعليك إخراج قدره في منافع المسلمين، أو دفعه للفقراء والمساكين. وإذا فعلت ذلك، فلا يلزمك التخلص من البيت أو غيره مما كان ثمنه كله، أو بعضه، من تلك الرواتب؛ لتعلق حرمة ذلك بذمتك، لا بعين ما استهلكت فيه ذلك المال.
وأما مكافأة نهاية الخدمة للعامل في البنك الربوي، فقد بينا حكمها في الفتوى رقم: 302029
والله أعلم.