الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الحال المذكورة غريبة، أي: أن يحقد الأهل على ابنهم، ويسعون في أذيته، وإذلاله؛ إذ الغالب شفقتهم عليه، وحرصهم على مصلحته، ودفع الضرر عنه، وخاصة إن كانوا من أقرب قرابته -كوالديه، وإخوته-.
وينبغي على كل حال الصبر عليهم؛ لأن هذا نوع من الابتلاء، فيتسلى المسلم بالصبر، وعاقبة ذلك خير كثير -بإذن الله-، ويمكنك مطالعة فضائل الصبر في الفتوى رقم: 18103، هذا أولًا.
ثانيًا: الدعاء، والتضرع إلى الله تعالى بأن يصلح الله الحال، ويبعد عن الجميع نزغات الشيطان، فالدعاء أمضى سلاح للمؤمن، وقد ثبت في سنن أبي داود عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قومًا، قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
ثالثًا: الحلم ومقابلة الإساءة بالإحسان، قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}، قال ابن كثير: ادفع بالتي هي أحسن؛ أي: من أساء إليك، فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر -رضي الله عنه-: ما عاقبتَ من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه.
وقوله: فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم؛ وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك، ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم؛ أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. اهـ.
وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك».
رابعًا: أن لا تظهر ما قد يكون سببًا في استثارتهم، ودفعهم للحقد، أو الحسد، قال تعالى عن يعقوب -عليه السلام- يخاطب أبناءه: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ {يوسف:67}، قال السعدي: ذلك أنه خاف عليهم العين؛ لكثرتهم، وبهاء منظرهم؛ لكونهم أبناء رجل واحد... اهـ.
وقال ابن القيم: فصل: ومن علاج ذلك -العين- أيضًا، والاحتراز منه: ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها، كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة: أن عثمان -رضي الله عنه- رأى صبيًّا مليحًا، فقال: دسموا نونته؛ لئلا تصيبه العين، ثم قال في تفسيره: ومعنى دسموا نونته: أي: سودوا نونته، والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومن هذا أخذ الشاعر قوله:
ما كان أحوج ذا الكمال إلى عيب يوقيه من العين. اهـ.
وعمومًا: التمس ما قد يكون السبب، واعمل على معالجته بالأسلوب المناسب.
خامسًا: توسيط أهل الخير من العقلاء، والفضلاء، إن اقتضى الأمر ذلك، فعسى الله تعالى أن يعين في سبيل الإصلاح.
والله أعلم.