الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يشرح صدرك للهدى.
واعلم أن مثل هذه الخلجات الفاسدة التي يريد بها المرء أن يعظم نفسه الأمارة بالسوء، بنسبة نعم الله إليها، إنما هي وحي من الشيطان، وهي إلى علاج إيماني، أحوج منها إلى محاججة ومجادلة، وسَوق للبراهين والأدلة!
ولا ريب في أن كل خير يناله العبد في دينه، أو دنياه، فهو محض فضل من الله، يستحق سبحانه الشكر عليه، والعبد وإن بذل أسبابًا في تحصيل تلك النعم، إلا أن السبب وحده لا يستقل بالتأثير، لولا مشيئة الله وتقديره، فهناك ما لا يحصى من الموانع التي يمكن أن تحول بين السبب وبين وقوع أثره.
وهذا أمر ظاهر، لا ينبغي أن يماري فيه عاقل، والسبب نفسه الذي يبذله العبد من الذي يسره له، وأعانه عليه إلا الله سبحانه وتعالى؟!
وشكر الله على النعم، لا ينافي شهود الأسباب، وتأثيرها بعد حصول النعمة، وأن يجمع العبد قبل حصول النعمة بين التوكل على الله، والاعتماد عليه، وبين فعل الأسباب.
فالمحظور هو الاعتماد على الأسباب وحدها، ونسيان التوكل على الله قبل حصول النعمة، وأن ينسى العبد الشكر لله، وينسب النعمة إلى السبب بعد حصولها.
ونسبة النعمة للنفس وذكائها، واجتهادها مع نسيان المنعم سبحانه وتعالى، لون من ألوان الكفران والجحود، الذي من أقل عقوباته سلب النعمة، وزوالها، مع خراب القلب، وفساده، ونقص إيمانه.
والله أعلم.