الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن قاعدتنا في هذا الموقع أن نجيب على أول سؤال فقط، ومن ثم فنحن نبين لك جواب الإشكال حول الآية الأولى التي ذكرتها، ويرجى إن أردت جواب بقية أسئلتك أن تبعثي كلا منها في سؤال مستقل.
فنقول: إن وجه العلاقة بين قوله تعالى: وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا {الأعراف:89}، وبين العود في ملة الكفر هو أن هذه العبارة دالة على التفويض لله، والتسليم له ولحكمته وعلمه التام، ومن ثم فلا يأمنون مكره؛ لأنهم لم يحيطوا بعلمه، وهو وحده العليم بكل شيء.
قال الألوسي رحمه الله: وَما يَكُونُ لَنا أي ما يصح لنا وما يقع فيكون تامة، وقد يأتي ذلك بمعنى ما ينبغي وما يليق. أَنْ نَعُودَ فِيها في حال من الأحوال أو وقت من الأوقات إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا، أي إلا حال أو وقت مشيئة الله لعودنا، والتعرض لعنوان الربوبية للتصريح بأنه المالك الذي لا يسأل عما يفعل. وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً، فهو سبحانه يعلم كل حكمة ومصلحة ومشيئته على موجب الحكمة فكل ما يقع مشتمل عليها، وهذا إشارة إلى عدم الأمن من مكر الله سبحانه فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون، وفيه من الانقطاع إلى الله تعالى ما لا يخفى، ويؤكد ذلك قوله تعالى: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا، فإن التوكل عليه سبحانه إظهار العجز والاعتماد عليه جل شأنه، وإظهار الاسم الجليل للمبالغة، وتقديم المعمول لإفادة الحصر. انتهى، وهو بيِّن في وجه الارتباط بين الجملتين.
ونحا القاسمي منحى آخر في الربط بين الجملتين وعبارته: وَما يَكُونُ أي ينبغي لَنا أَنْ نَعُودَ أي عن دعوى الرسالة والإقرار بها فنصير فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا أي الذي يربّينا بما علم من استعدادنا، لأنه وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً، أي فعلم استعداد كل واحد في كل وقت، لكن عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا، أي ليحفظنا عن المصير إليها رَبُّنا إن قصدوا إكراهنا عليها. انتهى.
والله أعلم.