الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذا البحث لغوي في أكثر جوانبه، وليس بحثًا شرعيًّا، فلا يترتب على العلم به كبير أثر عملي، ولا يحتاج إليه عامة الناس، فضلًا عن أن تحرير معاني هذه الأسماء كلها، قد يحتاج إلى مصنف مستقل!
وحسبنا أن ننقل لك هنا ما ذكره بعض العلماء عن معنى اسم: آدم -عليه السلام-، فقد جاء في تفسير الطبري:
* عن ابن عباس، قال: بعث ربُّ العزة مَلكَ الموت، فأخذ من أديم الأرض، من عذْبها، ومالحها، فخلق منه آدم؛ ومن ثَمَّ؛ سُمي آدم؛ لأنه خُلق من أديم الأرض.
* وعن علي، قال: إن آدم خُلق من أديم الأرض، فيه الطيّب، والصالح، والرديء، فكل ذلك أنت راءٍ في ولده، الصالح، والرديء.
* وعن سعيد بن جُبير، قال: خُلق آدم من أديم الأرض؛ فسمِّي آدم.
وعن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنّ ملك الموت لما بُعث ليأخذ من الأرض تربةَ آدم، أخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء، وبيضاءَ، وسوداء؛ فلذلك خرج بنو آدم مختلفين؛ ولذلك سُمي آدم؛ لأنه أخذ من أديم الأرض.
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ يحقق ما قال مَن حكينا قوله في معنى آدم، وذلك ما-:
* عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله خلق آدم من قَبضة قَبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قَدر الأرض، جاء منهم الأحمر، والأسود، والأبيض، وبين ذلك، والسهلُ، والحَزْن، والخبيث، والطيب.
فعلى التأويل الذي تأول: "آدم" من تأوله، بمعنى أنه خُلق من أديم الأرض، يجب أن يكون أصْل: "آدم" فعلًا سُمي به أبو البشر، كما سمي "أحمد" بالفعل من الإحماد، و"أسعد" من الإسعاد؛ فلذلك لم يُجَرَّ. ويكون تأويله حينئذ: آدمَ المَلكُ الأرضَ، يعني به بلغ أدمتها، -وأدَمتها: وجهها الظاهر لرأي العين، كما أنّ جلدة كل ذي جلدة له أدَمة؛ ومن ذلك سُمي الإدام إدَامًا؛ لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه- ثم نقل من الفعل، فجعل اسمًا للشخص بعينه. اهـ. باختصار.
وقال ابن عاشور: وآدم: اسم الإنسان الأول أبي البشر في لغة العرب، وقيل: منقول من العبرانية؛ لأن أداما بالعبرانية بمعنى الأرض، وهو قريب؛ لأن التوراة تكلمت على خلق آدم، وأطالت في أحواله، فلا يبعد أن يكون اسم أبي البشر قد اشتهر عند العرب من اليهود، وسماع حكاياتهم، ويجوز أن يكون هذا الاسم عرف عند العرب والعبرانيين معًا من أصل اللغات السامية، فاتفقت عليه فروعها، وقد سمي في سفر التكوين من التوراة بهذا الاسم: آدم.
واسمه في العبرانية: (آدم)، كما سمي في التوراة، وانتقل هذا الاسم إلى اللغات الإفرنجية من كتب الديانة المسيحية، فسموه: (آدام) بإشباع الدال، فهو اسم على وزن فاعل، صيغ كذلك اعتباطًا، وقد جمع على أوادم بوزن فواعل، كما جمع خاتم، وهذا الذي يشير إليه صاحب «الكشاف»، وجعل محاولة اشتقاقه كمحاولة اشتقاق يعقوب من العقب، وإبليس من الإبلاس، ونحو ذلك، أي: هي محاولة ضئيلة، وهو الحق.
وقال الجوهري: أصله: أأدم بهمزتين على وزن أفعل، من الأدمة، وهي لون السمرة، فقلبت ثانية الهمزتين مدة، ويبعده الجمع، وإن أمكن تأويله بأن أصله: أأادم، فقلبت الهمزة الثانية في الجمع واوًا؛ لأنها ليس لها أصل، كما أجاب به الجوهري. ولعل اشتقاق اسم لون الأدمة من اسم آدم أقرب من العكس. اهـ. باختصار.
والله أعلم.