الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإننا نشكرك على غيرتك على دين الله، وحرصك على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فجزاك الله خيرًا.
وهذه العبارة: "ولو كتبوها لك" تطلق في السودان عادة، مرادًا منها تأكيد المنع، ولا يقصد منها تحدي القدر، فلا يكون من أطلقها بهذا المعنى منكرًا للقدر، وخارجًا عن ملة الإسلام، وهذا لا يعني أننا نقرّ إطلاقها، بل ينبغي أن ينصح المسلم بعدم إطلاقها؛ تأدبًا مع الشرع الحكيم. هذا أولًا.
ثانيًا: يبدو أن أمّك عندها شيء من الجهل، وتبين هذا من قولها: "وأن الله لا يكتب أعمال الناس الدنيوية ".
ولا شك في أن هذا خطأ عظيم، وأن الواجب عليك أن تعلمها أن القدر شامل لكل أعمال بني آدم، كما قال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {الحج:70}، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة... الحديث.
ثالثًا: أن المسلم إذا أظهر التوبة، فالمظنون به أنه قد تاب توبة نصوحًا، مستوفية شروطها، فينبغي أن يحسن به الظن في هذا.
ومن الخطأ تكلف البحث عما إن كان قد تاب نادمًا على ذنبه أم لا. ولمزيد الفائدة تنظر الفتوى: 78925، ففيها بيان شروط التوبة.
رابعًا: أن تعظيم المصحف مطلوب شرعًا، فلا يليق وضع النقود أو غيرها داخله؛ فالمصحف لم يجعل لهذا، ووضع النقود داخله على زعم أنه يحفظها، لم نجد له أصلًا، بل هو نوع من الابتداع.
خامسًا: إذا أنكرت أمك وضع الموسى في المصحف، فالأصل سلامتها من ذلك، ولا يجوز لك نسبة هذا الفعل إليها وقد أنكرته.
وليس لك أن تضايقها بتتبعها في أفعالها، والإلحاح عليها بأن تخبرك إن كانت فعلت هذا الشيء المعين أم لم تفعله، فإنك قد تؤذيها بذلك، وتقع في عقوقها من حيث لا تشعر، وقد ذكرنا ضابط العقوق في الفتوى:73485.
سادسًا: أن مجرد كثرة الحلف مذمومة شرعًا، وإن كانت أمّك تحلف اليمين ولا تكفّر إذا حنثت فيها، ولا تبالي بها، فهذا منكر. وينبغي أن تعلّم، ويبيّن لها الحق برفق، ولين، وراجع في أدب الإنكار على الوالدين الفتوى: 134356.
وإن كانت لا تستجيب لك، فسلّط عليها من ترجو أن تسمع كلامه، وتستجيب له.
والله أعلم.