الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالإشكال في الحقيقة إشكال مصطلحات! فالتفكير، والاختيار – مثلًا – قد يراد به الاستقلال في الإدراك ذاتيًّا، والتعامل مع الأمور المستجدة والطارئة بشكل تلقائي، والترجيح المطلق، وهذا هو الذي يُنفَى عن الآلة.
وقد يراد به استعمال المقدمات للوصول إلى النتائج، والاعتماد على مدخلات محددة للوصول إلى نتائج غير محددة، والربط بين الأسباب ومسبباتها، وإعمال قانون الاحتمالات، ونحو ذلك مما يمكن فيه استعمال الآلة، وبرمجتها للوصول إليه.
ولتقريب ذلك نقول: إن وجود آلة حاسبة مثلًا، كان شيئًا مستبعدًا في القديم، ولا تزال الفكرة والتطبيق في التطور حتى بلغ ما نعرفه اليوم من الآلات الحاسبة الرقمية الصغيرة والخفيفة، والتي تقوم بكافة العمليات الحسابية البسيطة والمعقدة في وقت يسير جدًّا لا يكاد يذكر، وبما يفوق قدرة الإنسان بشكل واضح، فهل هذا يعني قدرة هذه الآلة على التفكير، والاختيار، أم إن الأمر لا يعدو استعمال خوارزميات معينة بطريقة مبرمجة سلفًا؟؟
والمقصود أن الآلة، أو الحاسوب -وإن أمكنها القيام ببعض الأعمال التي يقوم بها العقل البشري، بل وقد تتفوق عليه في بعضها- إلا أن ذلك لا يعني أنها تضاهيه، أو تستغني عنه.
وهنا نختم بما ختمنا به جوابنا عن سؤالك السابق في الفتوى التي أشرت إليها في سؤالك: (والمقصود أنه لا حرج في البحث العلمي في هذا المجال، فإنه وإن كان متوثبًا ومتطورًا لمدى بعيد، إلا أنه لا يخرج بالآلة عن حقيقتها، ولا يتعدى بالإنسان مداه).
والله أعلم.