الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبوك لم يقصد لطم الوجه تسخطا، وإنما قصد تنبيهكما بهذه الحركة؛ لئلا تسترسلا في الشجار، فليس عليه إثم -إن شاء الله- فليس كل صك للوجه محرما.
وقد ذكر الله عن سارة أنها صكت وجهها، تعجبا من بشارة الملائكة بإسحاق؛ قال تعالى: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ {الذاريات:29}.
قال ابن كثير: فَصَكَّتْ وَجْهَها: أَيْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا عَلَى جَبِينِهَا. قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ سَابِطٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: لَطَمَتْ أَيْ تَعَجُّبًا، كَمَا تَتَعَجَّبُ النِّسَاءُ مِنَ الْأَمْرِ الْغَرِيبِ. انتهى.
وأما إن كان فعل ذلك تسخطا على تلك المصيبة التي نزلت به وهي تشاجركما، فقد فعل محرما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية. متفق عليه.
قال العزيزي في شرح الجامع الصغير: المعنى: ليس على ديننا الكامل. وكان السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء. انتهى.
فإن كان الأمر كذلك، فما فعله أبوك يعد خطأ، لكن التوبة النصوح تمحو ما كان من ذنب، كائنا ما كان، فلو قدر أن أباك قد ارتكب محظورا، فلا يلزمه سوى التوبة النصوح المستوفية لشروطها، ولا يحبط شيء من حسناته، ولا يؤاخذ بما فعله ما دام قد تاب منه.
قال ابن تيمية: ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا شرعا ولا قدرا. انتهى.
ولا يؤثر ذلك على عمرته، وغيرها من صالحات عمله، ما دام قد تاب توبة نصوحا.
والله أعلم.