الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن التوكل على الله جل وعلا، عبادة قلبية، من أجلّ العبادات، ومشروعة في كل شأن، فالمؤمن لا غنى له عن معونة الله طرفة عين، كما في حديث أنس بن مالك، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة: ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت، وإذا أمسيت: يا حي، يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. وصححه الحاكم.
وليس التوكل هو مجرد القول باللسان: (توكلت على الله)، أو غير ذلك، بل التوكل عمل قلبي بالأساس، جاء في مدارج السالكين: قال الإمام أحمد: التوكل عمل القلب. ومعنى ذلك أنه عمل قلبي، ليس بقول اللسان، ولا عمل الجوارح، ولا هو من باب العلوم، والإدراكات. اهـ.
والدعاء بـ(توكلت على الله) من باب استحضار التوكل، وارد في جملة من الأحوال في السنة النبوية، كما في سنن الترمذي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال: بسم الله، توكلت على الله. اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل، أو نضل، أو نظلم، أو نظلم، أو نجهل، أو يجهل علينا. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني. جاء في مرقاة المفاتيح: (توكلت على الله): أي: اعتمدت عليه في جميع أموري. اهـ.
وفي سنن أبي داود، والترمذي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. قال: يقال حينئذ: هديت، وكفيت، ووقيت. فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي، وكفي، ووقي. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
قال ابن رسلان في شرح أبي داود: (إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم اللَّه، توكلت على اللَّه) سواء خرج إلى المسجد، أو إلى سفر، أو إلى السوق، ونحوه، ويدل عليه رواية الإمام بزيادة، ولفظه: "ما من مسلم يخرج من بيته يريد سفرًا، أو غيره"، (توكلت على اللَّه) فيما خرجت إليه. اهـ.
وقال ابن عثيمين: أما قول القائل: "آمنت بالله، وتوكلت على الله، واعتصمت بالله"، فهذا ليس فيه بأس، وهذه حال كل مؤمن أن يكون متوكلًا على الله، مؤمنًا به، معتصمًا به. اهـ. من مجموع فتاواه.
فلا حرج في قولك: (توكلت على الله) عند الخروج إلى شأن من شؤونك.
وأما قولها قبل فعل كل أمر: فلم ينقل -فيما نعلم- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذه الكلمة عند قيامه بكل أمر من أموره، فهي ليست سنة مخصوصة عند البداءة بكل أمر.
ومع ذلك: فإن كنت تقولها قبل الإقدام على أي أمر من باب عموم الدعاء، والذكر، والاستعانة بالله، وليس من باب اعتقاد سنية مخصوصة لتلك الكلمة، فلا يظهر حرج في ذلك.
وقد سئل ابن عثيمين: هل يجوز للإمام قراءة القرآن من أوله إلى آخره في الصلوات الجهرية، أي: يبدأ بسورة البقرة وينتهي بسورة الناس، مثل شهر رمضان، ولكن لا يختم مثل شهر رمضان، بل يكتفي بقراءة القرآن في الصلوات الجهرية، فهل في ذلك شيء؟
فأجاب -رحمه الله تعالى-: هذا ليس فيه شيء، إذا كان الفاعل لا يعتقد أن ذلك أمر مشروع؛ لعموم قوله تعالى: (فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)، وكثير من الأئمة يفعل ذلك، يقول: لأني أحب أن يمر القرآن كله على أسماع المأمومين. فإذا كان الإنسان لا يعتقد أن ذلك من السنن، فلا حرج عليه في قراءة ما شاء من كتاب الله عز وجل. اهـ.
وراجع في هذا الفتاوى: 301144، 75980، 61655.
والله أعلم.