الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الوديعة إذا ضاعت بتفريط، أو تعدٍّ من المودَع، فإنه يجب عليه ضمانها للمودِع.
وأما إن تلفت بغير تعدٍّ، ولا تفريط، فلا ضمان عليه، جاء في المغني لابن قدامة: وجملته: أن الوديعة أمانة، فإذا تلفت بغير تفريط من المودَع، فليس عليه ضمان، سواء ذهب معها شيء من مال المودع، أو لم يذهب. هذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن أبي بكر، وعلي، وابن مسعود -رضي الله عنهم-. وبه قال شريح، والنخعي، ومالك، وأبو الزناد، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وعن أحمد رواية أخرى: إن ذهبت الوديعة من بين ماله، غرمها؛ لما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه ضمّن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله. قال القاضي: والأولى أصح؛ لأن الله تعالى سمّاها أمانة، والضمان ينافي الأمانة. ويروى عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المستودع ضمان». ويروى عن الصحابة الذين ذكرناهم. ولأن المستودع مؤتمن، فلا يضمن ما تلف من غير تعديه، وتفريطه، كالذي ذهب مع ماله، ولأن المستودع إنما يحفظها لصاحبها متبرعًا، من غير نفع يرجع عليه؛ فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من قبول الودائع، وذلك مضرّ؛ لما بيناه من الحاجة إليها، وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها، فلا ينافي ما ذكرناه.
فأما إن تعدى المستودع فيها، أو فرّط في حفظها، فتلفت، ضمن، بغير خلاف نعلمه؛ لأنه متلف لمال غيره، فضمنه، كما لو أتلفه من غير استيداع. اهـ. وراجع الفتوى: 353212.
واعلم أن الفصل في قضايا المنازعات والخصومات، إنما هو من شأن القضاء الشرعي، الذي يتولى النظر، والتحقيق، والتدقيق، والبحث في البينات، وبقية الأمور المتعلقة بالقضية، أو التحكيم، وليس ذلك من اختصاص المفتين، والفتوى لا تغني شيئًا في قضايا الخصومات، ولا ترفع النزاع.
فالذي ينبغي هو الرجوع إلى القضاء الشرعي للبتّ، والفصل في مثل هذه القضية، إن تعذر الصلح بينكما.
والله أعلم.