الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالمراد من قول إبراهيم -عليه السلام- لزوجته سارة: يَا سَارَةُ، لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي، فَلاَ تُكَذِّبِينِي ... الحديث رواه البخاري، وفي لفظ لمسلم في صحيحه: إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي، يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ، فَإِنْ سَأَلَكِ، فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي، فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ ...
المراد من ذلك -كما هو ظاهر- أنها أخته في الدِّين، ولم يكن في أرض ذلك الجبار وقت دخولهما إليها أحد مؤمن إلا إبراهيم - عليه السلام-، وزوجته سارة.
قال الحافظ في الفتح: مُرَادَهُ بِالْأَرْضِ: الْأَرْضُ الَّتِي وَقَعَ لَهُ فِيهَا مَا وَقَعَ ... اهــ.
أو أنه نفى علمه بوجود مؤمن غيرهما، كما هو ظاهر لفظ رواية مسلم: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ ...
وقد ذكر بعض الشراح أن مِن ظُلْمِ ذلك الجبار وجبروته، أنه كان يتعرض للمرأة إذا كانت متزوجة، ويغصبها على زوجها.
وأما إن كانت ليس متزوجة، فإنه لا يتعرض لها؛ فلأجل هذا قال إبراهيم -عليه السلام- لزوجته سارة: إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي، يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ. اهـ.
قال القرطبي في المفهم: قيل: إن ذلك الجبَّار كانت سيرته: أنه لا يغلبُ الأخ على أخته، ولا يظلمه فيها، وكان يغلب الزوج على زوجته، وعلى هذا يدلّ مساق هذا الحديث، وإلا فما الذي فرَّق بينهما في حق جبَّار ظالم. اهـ.
وقال البيضاوي في شرح مصابيح السنة: كان من ديدن هذا الجبار أو من دينه أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج، فلذلك قال: "إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك". ويحتمل أن يكون المراد منه: أنه إن علم ذلك ألزمني بالطلاق أو قصد قتلى حرصا عليك. اهـ.
والله تعالى أعلم.