الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى: 233521، أن الشهيد يرجى له أن يكون ممن لا ينقطع أجر عملهم، ولم نر من نقل الإجماع على هذا.
ثم إن الشهداء وإن قتلوا في سبيل الله، فإنهم متفاضلون، وليسوا على درجة واحدة في الفضل، وجريان أعمالهم عليهم دليل على هذا؛ لأنهم كانوا متفاضلين فيها في الدنيا، وانظر الفتوى: 230614.
ثم إن من طلب الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه، كما صح في الحديث، بيد أنه يدرك أصل أجر الشهيد، وأما كمال الأجر فهو لشهيد المعركة.
قال المناوي في شرح الحديث المتقدم: (من سأل الله الشهادة بصدق) قيد السؤال بالصدق؛ لأنه معيار الأعمال، ومفتاح بركاتها وبه ترجى ثمراتها (بلغه الله منازل الشهداء) مجازاة له على صدق الطلب. وفي قوله: منازل الشهداء بصيغة الجمع، مبالغة ظاهرة (وإن مات على فراشه) لأن كلا منهما نوى خيرا، وفعل ما يقدر عليه، فاستويا في أصل الأجر. ولا يلزم من استوائهما فيه من هذه الجهة، استواؤهما في كيفيته وتفاصيله؛ إذ الأجر على العمل ونيته، يزيد على مجرد النية. فمن نوى الحج ولا مال له يحج به، يثاب دون ثواب من باشر أعماله. ولا ريب أن الحاصل للمقتول من ثواب الشهادة، تزيد كيفيته وصفاته على الحاصل للناوي، الميت على فراشه، وإن بلغ منزلة الشهيد. فهما وإن استويا في الأجر، لكن الأعمال التي قام بها العامل، تقتضي أثرا زائدا وقربا خاصا، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء. فعلم من التقرير أنه لا حاجة لتأويل البعض وتكلفه بتقدير من، بعد قوله: بلغه الله. فأعط ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم حقها، وأنزلها منازلها، يتبين لك المراد. انتهى.
فتبين بهذا أن أعظم الشهداء أجرا هو شهيد المعركة، وأن غيره من شهداء الآخرة وإن شاركه في الاسم، وفي أصل الأجر لكنهم ليسوا سواء من كل وجه.
والله أعلم.