الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر أنّ تعمُّد مثل هذا الصنيع داخل في الهمز واللمز المحرم؛ لأنه طعن بالفعل، والإشارة، وهو داخل في الغيبة المحرمة؛ لأنه إشارة لعيب مسلم في حال غيبته، وعدم علمه، قال النووي في الأذكار: (باب تحريم الغيبة والنميمة): اعلم أن هاتين الخصلتين من أقبح القبائح، وأكثرها انتشارًا في الناس؛ حتى ما يسلم منهما إلا القليل من الناس، فلعموم الحاجة إلى التحذير منهما، بدأت بهما.
فأما الغيبة: فهي ذكرك الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دينه أو دنياه، أو نفسه، أو خلقه، أو خلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، وحركته، وبشاشته، وخلاعته، وعبوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك، أو كتابك، أو رمزت، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك. انتهى.
نعم، لو غلب الضحك على الشخص بصورة فردية دون تعمد، ولا اختيار، فلا يؤاخذ بذلك حينئذ، فقد أخرج مسلم في صحيحيه: عن الأسود، قال: دخل شباب من قريش على عائشة وهي بمنى، وهم يضحكون، فقالت: ما يضحككم؟ قالوا: فلان خرّ على طنب فسطاط، فكادت عنقه، أو عينه أن تذهب، فقالت: لا تضحكوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يشاك شوكة، فما فوقها، إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة.
قال عياض في إكمال المعلم: الضحك في مثل هذا غير مستحسن، ولا مباح، إلا أن يكون من غلبة مما طبع عليه البشر، وأما قصدًا، ففيه شماتة بالمسلم، وسخرية بمصابه، والمؤمنون إنما وصفهم الله بالرحمة، والتراحم بينهم، ومن خلقهم الشفقة بعضهم لبعض. اهـ. وقال النووي في شرحه على مسلم: فيه النهي عن الضحك من مثل هذا، إلا أن يحصل غلبة لا يمكن دفعه، وأما تعمده، فمذموم؛ لأن فيه إشماتًا بالمسلم، وكسرًا لقلبه. اهـ. وراجع الفتوى: 41438.
وللاطلاع على كلام أهل العلم في الفرق بين اللمز والهمز، راجع الفتوى: 77393.
والله أعلم.