الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن صح ما ذكر عن هذا الزوج، فهذا يدل على أنه رجل سوء، لا خلق له، ولا حياء، لم يتق الله في نفسه، ولا في زوجته وأولاده، حين تسبب بسفهه، وخفة عقله، وقبح صنيعه، وانتكاس فطرته في إفساد أولاده، ولا يفعل ذلك عاقل يعلم أن هؤلاء الأولاد مسؤولية، وأمانة عنده، أوصاه الله بهم، فقال: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11}، قال السعدي في تفسيره: أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم؛ لتقوموا بمصالحهم الدينية، والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6}، فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها، فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.
وثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع، ومسؤول عن رعيته، والإمام راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته... الحديث.
ولا يجوز لزوجته مطاوعته في مشاهدة الأفلام الإباحية، أو في طلبه وطأها في الدبر، أو دعوتها إلى شرب الخمر، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، روى البخاري، ومسلم عن علي -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
ومثل هذا الزوج ينبغي أولًا السعي في سبيل إصلاحه: بالدعاء له، ومناصحته بالحسنى، وتسليط بعض أهل الخير عليه، عسى الله أن يصلحه، لا أن تعجل للطلاق منه، وخاصة إن كان لها منه أولاد، فإن صلح فذاك، وإلا فيستحب لها طلب الطلاق، ولا يجب عليها ذلك، قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: وإذا ترك الزوج حقًّا لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحب لها أن تختلع منه؛ لتركه حقوق الله تعالى. اهـ.
وإن كان قصد هذا الرجل مجرد مساعدتها للتخلص من زوجها، ولم يقصد تطليقها منه ليتزوجها، فلا إثم عليه في ذلك، قال ابن تيمية -رحمه الله-: ولهذا جاز عند الأئمة الأربعة، والجمهور من الأجنبي -أي: الخلع-، فيجوز للأجنبي أن يختلعها، كما يجوز أن يفتدي الأسيرة، كما يجوز أن يبذل الأجنبي لسيد العبد عوضًا ليعتقه؛ وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِمَا إذَا كَانَ قَصْدُهُ تَخْلِيصَهَا مِنْ رِقِّ الزَّوْجِ؛ لِمَصْلَحَتِهَا فِي ذَلِكَ، كَمَا يَفْتَدِي الْأَسِيرَ. اهـ.
وإن قصد أن يطلقها من زوجها ليتزوجها بعده، فذلك من التخبيب، وهو محرم، وقد جاءت السنة بالوعيد فيه، بل شدّد بعض أهل العلم في أمره، فذهب إلى أن زواج المخبب ممن خبب بها، باطل، والجمهور على القول بصحته، وهو الراجح عندنا. وسبق بيان ذلك في الفتوى: 7895.
وما كان لهذه المرأة أن تعرض عليه أن يساعدها على الطلاق؛ ليتزوجها، بل كان ينبغي أن تطلب منه أن يعينها في سبيل إصلاح زوجها، وبذل النصح له، وكان الأولى به أن يفعل ما أمكنه ذلك، فلعل الله يوفقه في هذا السبيل، ويكون سببًا في جمع شمل الأسرة على خير.
والله أعلم.