الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت قد استوعبت رأسك بالمسح، فوضوؤك صحيح، بلا شك، وإن كان بعض رأسك، لم يمسح، وهو ذلك الموضع اليسير المشار إليه، فوضوؤك صحيح كذلك، عند كثير من العلماء، وهذا ما صوبه المرداوي في الإنصاف، قال -رحمه الله-: قوله: ويَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِه. هذا المذهبُ بلا رَيب، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، مُتَقَدِّمُهم، ومُتأَخِّرُهم، وعُفِيَ في «المُبْهِج»، و«المتَرْجمِ»، عن يسيرِه للمَشَقَّةِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال الزَّرْكَشيُّ: وظاهرُ كلامِ الأكْثَرين بخِلافِه. وعنه: يُجْزِئُ مسْحُ أكْثَره. اخْتاره في «مَجْمَع البَحْرَين»، وقال القاضي، في «التَّعْلِيقِ»، وأبو الخَطَّابِ، في «خِلَافِه الصَّغير»: أكْثَرُه الثُّلُثان فصاعِدًا، واليَسيرُ الثُّلثُ فما دُونَه. وأطْلقَ الأْكْثرُ الأكْثرَ، فشَمِلَ أكثرَ مِن النِّصْفِ، ولو بيَسِيرٍ. انتهى. وهذا على قول الموجبين لمسح جميع الرأس.
وأما على قول من يوجب مسح بعض الرأس، فلا إشكال، وهو قول قوي، خاصة في حق المرأة، كما بيناه في الفتوى: 166603.
وأما المسترسل من الشعر، فلا يجب مسحه، فإنه ليس من الرأس؛ لأن الرأس هو ما ترأّس وعلا؛ ولذا نص الفقهاء على أنه لو مسح هذا المسترسل فقط، لم يجزئه، قال ابن قدامة: وإن نزل شعره عن منابت شعر الرَّأْسِ، فَمَسَحَ عَلَى النَّازِلِ مِنْ مَنَابِتِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا، وَلَوْ رَدَّ هَذَا النَّازِلَ، وَعَقَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَازِلٌ، رَدَّهُ إلَى أَعْلَاهُ. وَلَوْ نَزَلَ عَنْ مَنْبَتِهِ، وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِ، أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ الْقَائِمَ عَلَى مَحَلِّهِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ ذِي شَعْرٍ. انتهى.
والله أعلم.