الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت، كذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وغيره، ولكنها لا تقع بإطلاق حتى يكون من عبرها من أهل الرأي والدراية. وأما إذا عبرت على وجه خاطئ، وكان العابر من أهل التخرص غير العالمين بهذا الشأن، لم تقع.
قال أبو محمد ابن قتيبة -رحمه الله- في تأويل مختلف الحديث: وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَبَّرَهَا مِنَ النَّاسِ وَقَعَتْ كَمَا عَبَّرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْعَالِمَ بِهَا، الْمُصِيبَ الْمُوَفَّقَ. وَكَيْفَ يَكُونُ الْجَاهِلُ الْمُخْطِئُ فِي عِبَارَتِهَا، لَهَا عَابِرًا، وَهُوَ لَمْ يُصِبْ وَلَمْ يُقَارِبْ؟ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَابِرًا لَهَا، إِذَا أَصَابَ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ}، يُرِيدُ: إِن كُنْتُم تعلمُونَ عبارتها. وَلَا أَرَادَ أَنَّ كُلَّ رُؤْيَا تُعَبَّرُ وَتُتَأَوَّلُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، فَمِنْهَا مَا يَكُونُ عَنْ غَلَبَةِ الطَّبِيعَةِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَإِنَّمَا تَكُونُ الصَّحِيحَةُ، الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْمَلَكُ مَلَكُ الرُّؤْيَا عَنْ نُسْخَةِ أُمِّ الْكِتَابِ، فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ. انتهى.
ولتنظر الفتوى: 41751، والفتوى: 285016.
والله أعلم.