الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقولك لأمّك عن زوجتك: (خذيها، فأنا لا أحتاجها)، كناية من كنايات الطلاق، لا يقع بها الطلاق إلا مع النية.
وإن كنت في شك من نيتك، فالأصل عدم نية الطلاق، والبقاء على اليقين، وهو بقاء العصمة الزوجية.
وإذا كانت الطلقة غير محتسبة، فإرجاعك لها بعد ذلك تحصيل حاصل.
وما ذكرناه هنا من عدم وقوع الطلاق، يشمل الحالة الأخرى التي طلبت فيها منها جمع أغراضها للذهاب بها إلى بيت أهلها، فلا يقع بها الطلاق.
واعلم أن من غلبت عليه الوسوسة، لا يقع طلاقه، ولو تلفظ بصريح الطلاق، فضلًا عن تلفظه بكنايته، كما سبق أن بينا في الفتوى: 102665.
وبخصوص الحالة التي علقت فيها طلاق زوجتك على عدم فسخها عقد العمل: فإن كان الواقع ما ذكرت من أنها سعت في فسخه في اليوم الذي حددته لها، وكانت مهتمة بالأمر لولا ما حدث لها من مرض، فلا تطلَّق للعذر، في قول بعض أهل العلم، قال ابن قدامة في الكافي في فقه الإمام أحمد: وإن تلف المحلوف عليه قبل الإمكان، حنث لما ذكرنا، ويتخرج ألا يحنث؛ لأنه عجز بغير فعله، أشبه المكره.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين: فَاَلَّذِي يَلِيقُ بِقَوَاعِدِ أَحْمَدَ وَأُصُولِهِ، أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي صُورَةِ الْعَجْزِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَجْزُ لِمَنْعٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ مَنْعٍ كَوْنِيٍّ قَدَرِيٍّ، كَمَا هُوَ قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْعَجْزُ لِإِكْرَاهِ مُكْرَهٍ. اهـ.
وبخصوص تكرار الطلاق المعلق، وما يترتب عليه من أحكام، راجع الفتوى: 127400.
وننبهك إلى أمرين:
الأول: الحذر من التساهل في التلفظ بالطلاق، وجعله وسيلة حلّ مشاكل الحياة الزوجية.
الثاني: العمل بقاعدة: اليقين لا يزول بالشك في جميع أمورك من العبادات، وغيرها، فلا يبطل شيء منها لمجرد الشك.
وعليك أن تجاهد الوساوس، وتسعى في التخلص منها، فإنه لا علاج للوساوس أمثل من الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، هذا بالإضافة إلى الذكر، وتلاوة القرآن، والدعاء، والرقية الشرعية، وانظر الفتوى: 51601، والفتوى: 3086.
والله أعلم.