الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالحديث الذي أشرت إليه رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَجَعَلَ يَسْأَلُ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَأَتَى رَاهِبًا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَيْسَتْ لَكَ تَوْبَةٌ، فَقَتَلَ الرَّاهِبَ، ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ فِيهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَأَى بِصَدْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَكَانَ إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ مِنْهَا بِشِبْرٍ، فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا. وهذا لفظ مسلم، وفي لفظٍ له: فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. وفي لفظ البخاري: فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ.
فهذا الحديث فيه ما يدل على أن ذلك القاتل صائر إلى رحمة الله تعالى، وقد جاء التصريح بدخوله الجنة في رواية للطبراني في مسند الشاميين، ففيه: ... فَقَاسُوهُ، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إِلَى دَيْرِ التَّوَّابِينَ بِأُنْمُلَةٍ، فَغَفَرَ لَهُ, وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ. فما أعظم رحمة الله تعالى، وعفوه، وإحسانه للعباد مع إساءتهم.
وأما ذلك العابد المقتول، فلم يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث شيئًا عن مصيره: هل هو من أهل الجنة أم من أهل النار.
وليس البحث عن مصيره مما يفيد، وإلا لبيَّنه لنا النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي أن يشغل المرء نفسه، ولا أن يضيع وقت غيره بالبحث عن مثل هذه الأمور.
والله تعالى أعلم.