الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتبين لنا المقصود بتوريط هؤلاء الناس لأبيك -رحمه الله- في الديون، هل المقصود به أنّ أباك لم يستدن من أحد، ولكن هؤلاء الناس خدعوه، ونسبوا إليه تلك الديون بالغش والحيل بحيث أصبح مطالباً بها؟ أم المقصود أنّ أباك استدان بالفعل، ولم يقدر على قضاء دينه حتى مات؟
فإن كان لم يستدن؛ فلا شيء عليه فيما بينه وبين الله، ولا إثم عليه في عدم سداد الديون، ولكن الإثم على المدين الذي لم يسدد ديونه وهو قادر.
وأمّا إن كان استدان؛ فلا يبرأ إلا بقضاء الديون، أو إبراء أصحابها له، فإن كان ترك ميراثاً؛ فالواجب عليكم قضاء دينه من الميراث قبل القسمة، وإن كان لم يترك ميراثاً، فليس عليكم قضاء دينه من أموالكم؛ إلا أن تتبرعوا بذلك، فيكون من البر به والإحسان إليه.
قال الحطّاب -رحمه الله- في مواهب الجليل: .. وَدَيْنُ أَبِيهِ لَيْسَ عَلَيْهِ حَالًّا، وَلَا مُؤَجَّلًا. اهـ.
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإن ادعى على أبيه دينا، لم تسمع الدعوى حتى يدعي أن أباه مات، وترك في يده مالا؛ لأن الولد لا يلزمه قضاء دين والده ما لم يكن كذلك. اهـ.
فإن تبرعتم بقضاء الدين برئت ذمة أبيكم، وإلا فالدين في ذمته؛ إلا إذا عفا عنه أصحاب الديون، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الواجب على الدولة أن تسدد ديون الميت الذي لم يخلف وفاء، وراجع الفتوى: 258832
والله أعلم.