الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من الخطأ بمكان، وإذا كنت قررت أنك تؤمن بأن الأنبياء قد يبتلون لرفع درجاتهم، ولما لله في ذلك من الحكمة. فما المانع من أن يبتلى غيرهم من الصالحين السائرين على سننهم، بنظير ما ابتلوا به، لنظير تلك الحكمة، وفي حديث سعد -رضي الله عنه- عند أحمد والنسائي وغيرهما: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبْتَلى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ، فإِنْ كانَ فِي دِينِهِ صُلْباً اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وإنْ كانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ على قَدْرِ دِينِهِ، فَما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي على الأَرْضِ وَمَا عليهِ خَطِيئَةٌ. وقد بوب البخاري في صحيحه: باب أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل.
قال الحافظ ابن حجر في شرح الترجمة: (قَوْلُهُ بَابُ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلنَّسَفِيِّ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ. وَجَمَعَهُمَا الْمُسْتَمْلِي. وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْأَوَّلِيَّةُ فِي الْفَضْلِ، وَالْأَمْثَلُ أَفْعَلُ مِنَ الْمَثَالَةِ، وَالْجَمْعُ أَمَاثِلُ وَهُمُ الْفُضَلَاءُ. وَصَدْرُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارمِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى، وابن ماجة وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وابن حبَان وَالْحَاكِم، كلهم من طَرِيق عَاصِم بن بَهْدَلَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ. الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مُصْعَبٍ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُهُ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: الْعُلَمَاءُ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: الصَّالِحُونَ. الْحَدِيثَ. وَلَيْسَ فِيهِ مَا فِي آخِرِ حَدِيثِ سَعْدٍ. وَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ بِلَفْظِ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، إِلَى مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْيَمَانِ -أُخْتِ حُذَيْفَةَ- قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسَاءٍ نَعُودُهُ، فَإِذَا بِسِقَاءٍ يَقْطُرُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّى، فَقَالَ: إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. انتهى.
والحاصل أن من البلاء ما يكون بسبب الذنوب، وربما كان ذلك الغالب، ومنه ما يكون لحكمة أخرى؛ كرفع درجات المبتلى سواء كان نبيا أو وليا، وليكون أسوة لغيره في الصبر والاحتساب، وراجع الفتوى: 348616.
وما ذكرته خطأ، كما قررنا، وليس هو من الكفر بسبيل.
والله أعلم.