الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحقّ الوالد على ولده عظيم، وبرّه، ومصاحبته بالمعروف واجبة، مهما كان حاله، فإن الله قد أمر الولد بمصاحبة والديه بالمعروف، ولو كانا مشركين يأمرانه بالشرك، لكنّ هذا لا يعني أنّ الولد يكلف ما لا يطيق، أو يؤمر بطاعة والده في ما يضرّه، وإنما تكون الطاعة في المعروف، قال ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى: وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا، وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَضُرَّهُ، وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا. انتهى.
وعليه؛ فلا يجب على الولد طاعة أبيه فيما يضره في دينه، أو دنياه، وإذا أراد سفرًا بعيدًا؛ ليتخلص من أذى والده له، فلا حرج عليه في ذلك، قال القرافي -رحمه الله- في الفروق: وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ (السفر) دَفْعَ حَاجَاتِ نَفْسِهِ، أَوْ أَهْلِهِ، بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ تَأَذَّى بِتَرْكِهِ، كَانَ لَهُ مُخَالَفَتُهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ»، وَكَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ إذَايَتِهِمَا، نَمْنَعُهُمَا مِنْ إذايَتِهِ. انتهى. وراجع الفتوى: 60672.
وسفر الولد، لا يمنع من برّه بوالده، ولا يقطع الصلة بين والده وأحفاده، فالصلة تحصل في مثل هذه الحال بالمكالمات، والرسائل، ونحوها، كما تحصل بالإكرام بالهدية، وغيرها، وبكل ما يُعَدُّ في العرف صلة، حسب الوسع، والطاقة.
والله أعلم.