الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب على من به مرض دائم لا يستطيع معه الصيام أن يطعم مسكينا عن كل يوم يفطره، ومقدار ما يلزمه من الإطعام مختلف فيه.
فقالت الحنفية: هو صاع من طعام، ونصف صاع من بر.
وقالت الحنابلة: هو نصف صاع من طعام، ومد من بر.
وقال الشافعية: هو مد من أي طعام مما يقتاته الناس.
ولا يرى المالكية فدية في تلك الصورة، بل يسقط عنه الصوم إلى غير بدل.
ثم الواجب هو إخراج قوت من غالب قوت الناس، فمن كان قوتهم اللحم جاز الإخراج منه، كما نص على ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين.
وأما من لا يقتاتون اللحم، فالواجب إخراج قوت من غالب قوت الناس؛ مد عند الشافعية، ونصف صاع من غير البر عند الحنابلة، ومقدار المد 750 جراما تقريبا.
وهاك مذاهب العلماء كما قررها النووي في المجموع وعبارته: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ؛ سَوَاءٌ في الطعام البر والتمر والشعير وغيرهما مِنْ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ، هَذَا إذَا كَانَ يَنَالُهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ، وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَأَنَّهَا مُدٌّ: طاووس وسعيد بن جبير والثوري والاوزاعي. قال أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ صَاعُ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مُدُّ حِنْطَةٍ أَوْ مُدَّانِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَقَالَ مَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا فِدْيَةَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلشَّيْخِ وَالْعَجُوزِ الْعَاجِزَيْنِ الْفِطْر. انتهى.
ولو جمع المساكين فغداهم أو عشاهم أجزأه لفعل أنس -رضي الله عنه- حين كبر، قال الشيخ ابن عثيمين: العاجز عجزاً لا يرجى زواله، يجب عليه الإطعام عن كل يوم مسكيناً.
أما كيفية الإطعام، فله كيفيتان: الأولى: أن يصنع طعاماً فيدعو إليه المساكين بحسب الأيام التي عليه، كما كان أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ يفعله لما كبر. الثانية: أن يطعمهم طعاماً غير مطبوخ، قالوا: يطعمهم مد برٍ أو نصف صاع من غيره، أي: من غير البر، ومد البر هو ربع الصاع النبوي، فالصاع النبوي أربعة أمداد، والصاع النبوي أربعة أخماس صاعنا، وعلى هذا يكون صاعنا خمسة أمداد، فيجزئ من البر عن خمسة أيام خمسة مساكين، لكن ينبغي في هذه الحال أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم أو نحوه، حتى يتم قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.
وأما وقت الإطعام فهو بالخيار إن شاء فدى عن كل يوم بيومه، وإن شاء أخر إلى آخر يوم؛ لفعل أنس رضي الله عنه. وهل يقدم الإطعام قبل ذلك؟ الجواب لا يقدم؛ لأن تقديم الفدية كتقديم الصوم، فهل يجزئ أن تقدم الصوم في شعبان؟ الجواب: لا يجزئ. انتهى.
فظهر بهذا أن الاقتصار على توزيع اللحم إنما يجزئ إذا كان اللحم غالب قوت الناس، فإن لم يكن كذلك فهو غير مجزئ عند الجمهور، وإنما يجزئ مطلقا عند من يُجَوِّز القيمة في الكفارات ونحوها كالحنفية، والاحتياط هو مذهب الجمهور، وألا تخرج القيمة في الكفارات ونحوها.
والله أعلم.