الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحدوث الخلافات في الحياة الزوجية أمر طبيعي، ولكن ينبغي أن يكون بين الزوجين الحوار والتفاهم مع احترام كل منهما للآخر، وأن يكون بينهما تطاوع وتعاون قدر الإمكان مع البعد عن التعنت، وما يمكن أن يعقد المشكلة، والحرص على ما ييسر الحل، ويحفظ الود، ويجنب الشيطان ونزغاته، فإنه عامل ومجتهد على تشتيت شمل الأسر، والتفريق بين الزوجين، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن جابر قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته - قال - فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت.
وقد ترجم عليه في صحيح مسلم: باب: (تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس).
وينبغي أيضا استحضار أن من أهم مقاصد الإسلام من الزواج أن تكون الحياة فيه مستقرة، يملؤها التعاون والتكامل، فالكل فيها خادم، والكل مخدوم، نعني بذلك أن الزوجة تخدم زوجها بالقيام على البيت وترتيب شؤونه، والزوج يخدم زوجته بالقيام بالأعمال التي تقتضي الخروج من البيت، والسعي في الأرض للكسب والقيام بالنفقة.
والمرجح عندنا -كما ذكرت- أنه يلزم الزوجة خدمة زوجها بما يجري به العرف، ولكن إن كانت الزوجة ممن يُخدَم مثلُها وجب على الزوج أن يوفر لها خادما، وكذلك إن كانت مريضة. قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: فإن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها لكونها من ذوي الأقدار أو مريضة وجب لها خادم. اهـ.
وإطعام العيال ونحو ذلك داخل في مسألة خدمة الزوجة زوجها، وقيامها بشؤون البيت، وأما تربية الأولاد وتعليمهم وتوجيههم، فمسؤولية مشتركة بينهما كزوجين، كما هو مبين في الفتوى: 359245.
ونؤكد على ما ذكرناه أولا من أهمية التعاون، وفهم الحياة الزوجية على أنها تكامل، وبهذا يحسن كل منهما عشرة الآخر امتثالا لقوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}، ونذكر الزوج بما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من كريم خلق مع زوجاته، وإعانته لهن في أمور الخدمة في البيت، روى البخاري عن الأسود قال: سألت عائشة -رضي الله عنها-: ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله ـ تعني خدمة أهله ـ فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
وفي مسند أحمد عن عائشة -رضي الله عنها-: أنها سئلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.
ولا ينقص هذا من قدر الزوج، ولكنه يزيده قدرا عند الله، ورفعة وشرفا عند زوجته، وتقوى المودة والعشرة بينهما، فينعكس ذلك على الأسرة جمعاء خيرا وبركة.
والله أعلم.